: آخر تحديث

لم أكن أعلم

7
9
8

أذكر أن الصحف القديمة كانت تخصص باباً بعنوان: «هل تعلم؟»، فيه تنشر معلومات مكثفة عن أحداث تاريخية أو حقائق علمية، أو بيانات جغرافية وما إلى ذلك. وأذكر أيضاً أننا عندما كنا نصدر مجلات الحائط في المدارس فعلنا الشيء نفسه، وخصصنا زاوية تحت نفس العنوان: «هل تعلم»، نكتب فيها ما صادفناه من معلومات في قراءاتنا. الغاية من هذا واضحة: تقديم معلومات نراها مهمّة في أسطر قصيرة وفي كلمات قليلة، على أن يراعى أن تكون تلك المعلومات باعثة على الفضول، ويفترض أنها غير معروفة لدى جمهرة القراء الذين تخاطبهم الصحيفة أو المجلة المعنيّة، ولنلاحظ أنه حتى عنوان الزاوية جرى صوغه بطريقة لافتة، فحين نسأل القارئ: «هل تعلم؟»، نبدو كأننا نقول له: أيعقل أنك لا تعلم كل هذا؟

قبل ليلتين وأنا أقلّب محطات التلفزة، استوقفني برنامج قصير على تلفزيون البحرين عنوانه التالي: «لم أكن أعلم»، والبرنامج أنتج قبل سنوات وتتم الآن إعادة بث حلقاته، كما فهمت من «تتر» البرنامج بعد انتهاء الحلقة التي لم أدركها من البداية، لكني شاهدت جانباً منها. وبدا لي أن مسمى هذا البرنامج هو تنويع، راقٍ لي في الحقيقة، على عبارة «هل تعلم؟»، التي حفظناها من المدرسة، ويمكن أن نتخيل أن «محور» المسمى إلى «لم أكن أعلم»، أراد الإيحاء للمستمع بأن ما سيأتي عليه القول معلومات مهمة أو طريفة أو ذات دلالة، فكيف له ألاّ يعلم بأمرها من قبل؟ من المعلومات التي استمعت إليها في تلك الحلقة أن إحدى جمهوريات بحر البلطيق، وضمن خطة للحفاظ على البيئة، بتقليل انبعاثات السيارات التي تلوث الجو، بتشجيع السكان على التقليل، أقصى ما أمكن، من استخدامهم لسياراتهم الخاصة، قررت جعل المواصلات العامة، كحافلات النقل العام والقطارات، مجانية للجميع.

ليست المعلومات وحدها ما جذبني. جذبني أكثر العنوان: «لم أكن أعلم». وجدته عنواناً حمّال أوجه، وحوله يمكن أن يقال الكثير، فهذه العبارة قد تستخدم كذريعة في بعض الحالات، حين يقع أحدهم في خطأ ما تنجم عنه تبعات سلبية، وحين يجد نفسه في موقع المساءلة عمّا فعل، يحاول التماس العذر بالقول إنه لم يكن يعلم بأنه ستكون لفعله تلك التبعات.

أمر آخر يحفزنا العنوان على التفكير فيه، وهو الأهم، عن كمية المعلومات والحقائق والوقائع التي لا نعلم بها. «كم في الزوايا من خبايا» يقول المثل، لكن الأمر لا يقتصر على «خبايا الزوايا» وحدها، وإنما يشمل المعارف والعلوم، ذلك أن المعرفة بحر واسع، مهما أبحرنا في عبابه فلن تبلغ أقاصيه، وكلما تعمقنا في المعرفة أدركنا جهلنا بالكثير مما تختزنه.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.