مع اقتراب انتهاء الشهر الثامن على بدء الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة، وشبه الحرب الدموية على الضفة الغربية، لا بد من طرح السؤال الواضح والأهم حول الحصيلة الحالية له على الجانب الإسرائيلي.
وتقييم هذه الحصيلة يبدأ أولاً من التعرف إلى الأهداف الرئيسية المعلنة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، والمدى الذي وصل إليه في تحقيقها.
ومعروف للجميع أنها أهداف ثلاثة: القضاء على البنية العسكرية لحركة حماس خصوصاً، والمقاومة الفلسطينية عموماً، واستعادة كل المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر، أحياء وموتى، وإنهاء كل إمكانية لأن يكون قطاع غزة مصدراً لتهديد الداخل الإسرائيلي بأية صورة.
ومن الواضح والمؤكد بعد كل هذه الشهور الفشل التام لإسرائيل في تحقيق أي جزء من الهدف الثاني، أي تحرير المحتجزين، كما أنه من الواضح تماماً أن الهدف الأول، المتعلق بالقضاء على القدرات العسكرية لحماس والمقاومة، يثبت يوماً بعد آخر عدم تحققه بالصورة التي يطمح إليها نتانياهو، فعلى الرغم من الإصابات والخسائر المؤكدة التي لحقت بالمقاومة طوال شهور العدوان الثمانية، فإن معارك الأسبوعين الأخيرين الضارية وتنوع مواقعها ما بين شمال غزة وجنوبها ووسطها تؤكد أن هذا الهدف لا يزال بعيداً للغاية عما يهيمن على أفكار نتانياهو وخيالاته.
ولا شك في أن الهدف الثالث والأخير، وهو إنهاء كل إمكانية لأن يكون قطاع غزة مصدراً لتهديد الداخل الإسرائيلي، لم يتحقق منه شيء حتى اللحظة بوسائل الجيش الإسرائيلي العسكرية الغاشمة، ويبدو مستحيلاً من غير تسوية سياسية نهائية وعادلة للقضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي لا يفكر رئيس الوزراء الإسرائيلي سوى في التدمير الشامل والكامل لأي طريق يؤدي إليه.
ولم يكن هناك فقط الإخفاق في تحقيق الأهداف الإسرائيلية الثلاثة، بل أدت سياسات نتانياهو العدوانية والمستفزة إلى النيل بصور متفاوتة الضرر من كل الدوائر الإقليمية والدولية، سواء كانت حليفة وداعمة لإسرائيل طوال الوقت، أو تربطها بها علاقات «طبيعية» حتى ولو لم تكن وثيقة، أو تلك التي كانت في طريقها لمثل هذه العلاقات الأخيرة.
فللمرة الأولى في تاريخ العلاقات الإسرائيلية – الأمريكية تصل التوترات العلنية لهذا المستوى، وتصل مساحة الخلاف الداخلي الأمريكي على الدعم المطلق لإسرائيل إلى هذا المدى، ومعها تلك الاحتجاجات الطلابية والشبابية الأولى من نوعها الرافضة لسلوكيات الدولة العبرية.
وبدا الحال في أوروبا أكثر سوءاً بالنسبة لإسرائيل، حيث وصل مستوى الرفض والإدانات لما تقوم به إلى آفاق لم تكن تخطر على بال أحد من قبل، كذلك الأمر على صعيد الأمم المتحدة بجمعيتها العامة ومجلس أمنها وكل وكالاتها ومنظماتها المتخصصة، حيث لم يسبق لها منذ نشأتها أن أدانت سلوكيات إسرائيل بهذه الحدة وذلك التكرار، وهو ما وصل لقمته بمثولها أمام محكمة العدل الدولية للمرة الأولى في التاريخ بتهمة الإبادة الجماعية، التي كانت اتفاقية منعها موضوعة أصلاً عام 1948 لحماية اليهود وإسرائيل.
ووصل الأمر إلى منتهاه وأقصاه فيما يخص الدول التي ربطتها بها مؤخراً علاقات «طبيعية» حتى ولو لم تكن وثيقة، أو تلك التي كانت في طريقها لمثل هذه العلاقات الأخيرة، حيث تراجعت كل هذه العلاقات ومشروعاتها تحت وطأة العدوان الإسرائيلي الغاشم المتواصل بلا انقطاع، وهو الخيار الوحيد والرشيد لدى حكومات هذه الدول، التي تقدم بعضها ليدعم أهالي غزة إنسانياً بصورة علنية كثيفة، ووضعت جميعها شروط الوقف الفوري والتام للقتال، وحل القضية الفلسطينية على أساس وجود الدولتين، لكي تعود الأحوال إلى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر.
ولم يكن التوتر غير المسبوق للعلاقات مع مصر منذ عقد معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979 سوى خاتمة السوءات الكبرى التي ارتكبتها الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتانياهو، التي تهدد اليوم جدياً ليس فقط السلام بين الدولتين، بل وتغيير شامل في كل معطيات الحرب والسلام في المنطقة كلها.
هذه هي الحصيلة، وهذا هو ما نجح نتانياهو وحكومته في إنجازه، فهل تنجح نخبة إسرائيل الاستراتيجية في إنقاذ دولتها ونفسها، وإيقاف حالة التوتر والتصعيد المجنونين في المنطقة؟