: آخر تحديث

«عدّى النهار»

19
18
22

ليست الأغنيات التي عاشت هي وحدها ما تجذبنا. في أحيانٍ كثيرة تجذبنا الحكايات المقترنة بها، والتي تحكي اللحظات التي ولدت فيها تلك الأغنيات وتقدّم لنا المفتاح لولوج عالمها. وفي تاريخ الأغنية العربية الحديثة، ثمّة حكايات معبرة نقرأ عنها أو نسمع، أفضت إلى ظهور أغنية من الأغنيات، باتحاد رغبات كاتب كلمات الأغنية ومُلحّنها ومُغنيها.

من هذه الأغنيات، أغنية «عدّى النهار» لعبدالحليم حافظ التي لا يعرفها الكثيرون، خاصة من الأجيال الجديدة، كونها مختلفة الطابع عن أغاني عبدالحليم العاطفية الأكثر شيوعاً وانتشاراً حتى اللحظة، كون «عدّى النهار» اقترنت بحدثٍ فاصل في تاريخ مصر وفي التاريخ العربي الحديث، هو هزيمة الخامس من يونيو/حزيران1967، وغُنّيت في لحظةٍ كان الشعور فيها بصدمة الهزيمة كبيراً وموجعاً.

كاتب كلمات الأغنية الشاعر عبدالرحمن الأبنودي شرح الظروف التي وُلدت فيها، في حواره مع الكاتب أسامة الرحيمي وهو يستعيد ذكرياته في تلك الفترة، حيث كان هو ومجدي العمروسي وأحمد رجب ومفيد فوزي وعبدالحليم حافظ مجتمعين في بيت الأخير، حين أعلن جمال عبدالناصر تحمّله مسؤولية ما جرى كونه رئيس الجمهورية، معلناً استقالته من منصبه، فقرر الحاضرون النزول إلى الشارع؛ للمطالبة بعودته عن الاستقالة، وركبوا سيارة عبدالحليم التي سرعان ما «غرقت» وسط الجماهير التي جاءت من كل فجٍّ عميق.

بعد فترة قصيرة كان الأبنودي في بيت عبدالحليم حين سأله: «ياعبدالرحمن هنفضل ساكتين كده؟». أجاب الأبنودي: «البلد دي دخلت الحرب وانهزمت، ولو قلنا غير كده الناس هيضربونا بالجزم، فلازم نقول إننا انهزمنا وهنحاول نقوم»، فقال عبدالحليم: «طيب ما تقول كده». لحظتها أخرج الأبنودي قصيدة «عدّى النهار» التي كانت في جيبه، وأعطاها عبدالحليم الذي قرأها دون أن ينطق بكلمة.

في تسجيل للأغنية على «يوتيوب» كُتب أنها من ألحان كمال الطويل، لكن الأبنودي قال شيئاً مغايراً كلياً، وهو يواصل سرد ما جرى يومها، حيث اتصل عبدالحليم حافظ من فوره ببليغ حمدي وقال له «الحقني»، فجاء إليهما حيث أسمعه الأبنودي القصيدة. وفي وصف تلك اللحظة قال الأبنودي: «لم أرَ أحداً بكى بعد النكسة مثل بليغ، ولحّن كلمات الأغنية ليؤديها عبدالحليم أول مرة على مسرح (البرت هول)».

يقول مطلع الأغنية: «عدّى النهار والمغربية جايّة/ تتخفّى ورا ضهر الشجر/ وعشان نتوه في السكة/ شالِت من ليالينا القمر/ وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها/ جانا نهار مقدرش يدفع مهرها/ يا هل ترى الليل الحزين/ أبو النجوم الدبلانين/ أبو الغناوي المجروحين/ يقدر ينسّيها الصباح/ أبو شمس بترش الحنين/ أبداً بلدنا ليل نهار/ بتحب موّال النهار/ لما يعدّي في الدروب/ ويغني قدّام كل دار».

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد