: آخر تحديث

التجربتان الكورية والأمريكية.. تشابهات

11
9
11

أثارت زيارتا عمل متتاليتان لكوريا الجنوبية والولايات المتحدة لديّ أفكاراً وخواطر عن أوجه التشابه بين التجربة السياسية في البلدين، ومدى تأثر التجربة الكورية بنظيرتها الأمريكية لعواملٍ تاريخية وثقافية يضيق المجال هنا عن شرحها. ثم جاءت الانتخابات البرلمانية الكورية في 10 إبريل الجاري لتحفزني على إعادة التفكر في الموضوع، وتدفعني دفعاً إلى إثبات هذه الأفكار وتلك الخواطر في هذا المقال.

تأخذ كوريا الجنوبية، كما الولايات المتحدة، بالنظام الرئاسي، ويُنتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع المباشر، وإن كانت مدة الرئاسة محددة دستورياً بولاية واحدة فقط مدتها 5 سنوات في كوريا الجنوبية، فيما يسمح الدستور الأمريكي للرئيس بولايتين كحد أقصى، مدة كل منهما أربع سنوات.

وكما أن السياسة الأمريكية تتسم بالاستقطاب، بل والصراع، المتزايد بين المحافظين والليبراليين، فإن السياسة الكورية تعاني الاستقطاب والصراع نفسيهما. وفي الحالة الأمريكية، يمثل الحزب الجمهوري بزعامة الرئيس السابق دونالد ترامب المحافظين، فيما يمثل نظيره الديمقراطي بزعامة الرئيس الحالي جو بايدن الليبراليين. وثمة صراع وخصومة، بل ولدد في الخصومة بين المحافظين والليبراليين، وبين ترامب وبايدن. وفي الحالة الكورية، يمثل حزب سلطة الشعب بزعامة الرئيس الحالي «يون سوك يول» المحافظين، فيما يمثل نظيره الديمقراطي وزعيم المعارضة المرشح الرئاسي السابق «لي جاي ميونغ» الليبراليين. وثمة صراع وخصومة كبيرة بين المحافظين والليبراليين، وبين «يون» و«لي»، وصلت إلى حد توعد الرئيس خصمه بالسجن على خلفية تحقيقات فساد، وتعرض الأخير للطعن في عنقه قبل أشهر من الانتخابات التشريعية التي جرت منذ أيام.

وفي ضوء هذا المناخ الذي يتسم بالاستقطاب المتصاعد، نفهم كيف كانت الحملات الانتخابية السابقة على الانتخابات البرلمانية الكورية في إبريل الجاري تتسم في مجملها بالطابع السلبي، وبتراشق الاتهامات بين المعسكرين المحافظ والليبرالي أكثر من تقديمها حلولاً للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وقد تبادل الطرفان اتهامات الفساد، وركزت المعارضة الليبرالية على فشل الرئيس «يون» في إدارة الدولة والاقتصاد. ولعل هذا يذكرنا بالحملات الانتخابية السلبية بين الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة أثناء الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح كل طرف في الانتخابات الرئاسية المقبلة (نوفمبر 2024).

وقبل الاستطراد في الاستقطاب السياسي والأيديولوجي الذي يصبغ السياسة في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، نلفت إلى أنّ من أهم مظاهر التشابه بين الدولتين هو سيطرة حزبين كبيرين على السياسة والحُكم فيهما؛ أحدهما يُسيطر على مؤسسة الرئاسة والآخر يسيطر على الهيئة التشريعية (البرلمان). ففي الولايات المتحدة، يسيطر الحزب الديمقراطي على مؤسسة الرئاسة، فيما يمتلك نظيره الجمهوري الأغلبية في مجلس النواب. وفي الحالة الكورية، يسيطر حزب سلطة الشعب (المحافظ- يمين الوسط) على مؤسسة الرئاسة، ويمتلك الحزب الديمقراطي (الليبرالي- يسار الوسط) الأغلبية منذ انتخابات 2020 في الجمعية الوطنية أو البرلمان الكوري. وقد عززت انتخابات 10 إبريل الجاري هذا الوضع في كوريا الجنوبية. فقد أسفرت الانتخابات عن زيادة الحزب الديمقراطي أغلبيته البرلمانية بحصوله على 175 مقعداً، بنسبة 58.3% من مقاعد الجمعية الوطنية. أما حزب سلطة الشعب الحاكم، فقد حصل على 108 مقاعد، بنسبة 36% من مقاعد الجمعية الوطنية.

ومنذ انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر 2022، يعاني الرئيس جو بايدن م حال البطة العرجاء وتعاني السياسة الأمريكية الجمود التشريعي، ولكن الديمقراطيين يمتلكون ما يكفي من المقاعد في الكونغرس (أغلبية محدودة في مجلس الشيوخ) تحول بين الجمهوريين وتوجيه الاتهام للرئيس تمهيداً لعزله. والحال نفسه ينطبق على السياسة الكورية، مع تبادل الأدوار بين المحافظين والليبراليين. فمنذ توليه الحكم في مايو 2022، يُعاني الرئيس «يون» وضع البطة العرجاء، وتعاني العملية التشريعية حالة من الجمود. وقد رسخت نتائج الانتخابات البرلمانية في إبريل الجاري هذا الوضع، وكان من أهم مضامينها إضعاف سلطة الرئيس خلال السنوات الثلاث المتبقية من ولايته، وإبقاؤه غير قادرٍ على تنفيذ أجندة سياسته الداخلية والخارجية. ولكنّ الحزب الحاكم في كوريا انتزع ما يكفي من المقاعد؛ ما يجعله قادراً على الحؤول بين المعارضة وامتلاك الأغلبية البرلمانية اللازمة (أغلبية الثلثين) لإجراء تعديلاتٍ دستورية، أو توجيه الاتهام للرئيس تمهيداً لعزله.

وأخيراً، كما تتداول المحاكم قضايا جنائية متهماً فيها مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، دونالد ترامب، تتداول المحاكم الكورية اتهامات بالفساد منسوبة إلى زعيم المعارضة، لي جاي ميونغ. ومن المفارقة أنه كما تطال اتهامات الفساد نجل الرئيس بايدن، هانتر، طالت السيدة الكورية الأولى، كيم كيون-هي، اتهامات الفساد أيضاً.

ولن تنقضي مشاهد المشابهات بين التجربتين الأمريكية والكورية إلا بعد أن يسدل الستار على الانتخابات الرئاسية المقبلة في البلدين. فالمواجهة المحتملة «مرة أخرى» بين بايدن وترامب في نوفمبر القادم، قد تتكرر في الحالة الكورية بين «لي جاي ميونغ»، الذي تزايدت حظوظه في الترشح مرة أخرى للانتخابات الرئاسية المقبلة (2027)، ومرشح من الحزب الحاكم!* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد