عندما قيل لدبلوماسي فرنسي، في جلسة تقييم ضمّت صحافيين وباحثين مهتمين بشؤون الشرق الأوسط، إنّ غالبية اللبنانيين لم يعودوا مقتنعين بأنّ حرباً واسعة بين إسرائيل، من جهة و"حزب الله" من جهة أخرى، يمكن أن تنشب، رد: "عليهم أن يغيّروا رأيهم. هذه الحرب أقرب ممّا يظن الأكثر تشاؤماً. لذلك لا بدّ من أن يقلقوا!". هذا الموقف الفرنسي، جاء بعد ساعات قليلة على مغادرة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن باريس، حيث عقد لقاءات عمل مع كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين والدبلوماسيين في باريس، تمحورت حول الأوضاع في أوكرانيا والشرق الأوسط. من وجهة النظر الفرنسيّة، فإنّ مخاطر الحرب تنبع من أنّ إسرائيل تعمل، وفق قواعد تفكير جديدة، في حين أنّ من يقوم بتقييمها ينطلق من قواعد تفكير سابقة للسابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وباتت "إسرائيل الجديدة" ترى أن المخاطر الوجودية تحدق بها من كل حدب يرفع فيه "الحرس الثوري الإيراني" راياته، وأنّ حماية هذا الوجود تقتضي منها أن تفرض وجهة نظرها الدفاعية في كل مكان يحيط بها، فهي لن تستكين قبل كسر شوكة "فيلق القدس"، المسؤول عن تقوية التنظيمات المكلّفة "تقزيم" الدولة اليهوديّة. وعليه، فإنّ إسرائيل لا تقيم اعتباراً لأي خطوط حمراء، بكل ما يتصل بإيران والتنظيمات التابعة لها في المنطقة، سواء في الضفة الغربية وغزة، أو في لبنان وسوريا، أو في العراق واليمن. وتبدي إسرائيل استعداداً لتدمير كل من يقف في طريق استعادتها لقوة الردع، حتى لو كبّدها ذلك التورط في أكثر من حرب، فهي ترى أنّها سوف تعاني كثيراً من مشاكلها الداخلية في المرحلة المقبلة، ولا بد لها، قبل الانكفاء الى الداخل، من إنهاء التحصينات الخارجية، مستفيدة من تفوّقها الاستراتيجي عل أعدائها مجتمعين ومن اتفاقيات الدفاع المشترك مع الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً. وفي هذا السياق، تبدو تل أبيب كأنّها تستدعي "فيلق القدس" الإيراني وأهم تنظيماته، "حزب الله"، إلى الحرب أو إلى التراجع تحت ضغط الضربات "المؤلمة". وبالفعل، فإنّ إسرائيل تختبر "صبر إيران"، فهي استهدفت قنصليتها في دمشق حيث قضت على قيادة "فيلق القدس"، كما أنّها تطارد مقاتلي "حزب الله" حتى في منازلهم، وتسعى، بلا هوادة، الى خلق معادلات ردع جديدة. وهذا الاستهداف النوعي لإيران في "ولاية القدس"، وإن أتى ظاهراً بتوقيت إصابة "المقاومة الإسلامية في العراق" بمسيرة إيرانية القاعدة البحرية الإسرائيلية في إيلات، إلّا أنّه أتى بعد حدثين مفصليّين: عودة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت من واشنطن حيث عقد اجتماعات تنسيقية، وسط تركيزه على الدور المفصلي لإيران في الحرب ضد بلاده، وقرار وزارة الدفاع الأميركية تزويد الجيش الإسرائيلي بأسلحة وذخائر تفوق قيمتها مستوى 18 مليار دولار أميركي. ولا تظهر إسرائيل أيّ قلق من إمكان نشوب حرب على الجبهة الشمالية، بل هي تحضر الرأي العام الداخلي والعالمي لذلك، بحيث باتت "الأسباب الموجبة" لحرب "تتزايد احتمالاتها" ضد "حزب الله" تحتل صدر الصفحات الكبرى في العالم، مثل "لوفيغارو" في فرنسا و"واشنطن بوست" في الولايات المتحدة، ولم تعد هناك صحيفة إسرائيليّة قادرة على تغييب "الجبهة الشمالية" عن واجهة الأحداث. ويلاحظ أكثر من مراقب على صلة ببعض دوائر القرار بأنّ الوسطاء الدوليين الذين طالما عملوا على احتواء الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية باتوا على قناعة بأنّ مساعيهم لا يمكن أن تحقق أيّ تقدم من دون أن تكسر "الحرب" عناد "حزب الله" وإيران من خلفه. وهذا يعني، وفق المراقبين، أنّ إسرائيل تعمل على استدراج كل من "حزب الله" وإيران الى حرب تبدو أنّها أعدّت لها جيّداً، ودفعت، بشكل مسبق أثمانها. ومن يتابع الإعلام الموالي لإيران و"حزب الله" في ضوء استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق وما ألحقته من خسائر بـ"فيلق القدس" يُدرك أنّ "استراتيجيّي الممانعة" يتحسّسون فخاً كبيراً نصبته تل أبيب لطهران، فهي إمّا تقف مكتوفة الأيادي وتقبل بشرب "كأس السم"، وإمّا تذهب الى ميدان مواجهة غير متكافئة! ونجحت تل أبيب في إلحاق الوهن بنفسيات "البيئة الحاضنة" ل"جبهة المقاومة"، الأمر الذي يثير غضب القادة الإيرانيين عمومًا والأمين العام ل"حزب الله" السيّد حسن نصرالله الذي بات يخصص خطاباته الأخيرة لتوجيه وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي، من أجل أن يعملوا بجهد كبير لتقديم صورة إيجابيّة تواجه "مؤامرة الصورة السلبيّة". وفي خطاب ألقاه، أمس الأربعاء، قال نصرالله: "بعض المثبطين في منطقتنا وفي عالمنا العربي والإسلامي وبعض المنافقين يركزون على حجم التضحيات ويتجاهلون حجم الإنجازات، أو يسفهونها خدمةً للعدو ولتثبيط عزائم المقاومين والمجاهدين". وأضاف: "على كلّ المنابر ووسائل الإعلام التي تؤيد هذا المسار المقاوم أن تشرح وتبيّن وتوضح وبكل الأساليب المتوفرة هذا الأمر، وإلا فهم يسعون ويعملون ليحوّلوا صورة الإنجازات التاريخية للمقاومة اليوم، إلى صورة هزيمة للمقاومة وانتصار للعدو من خلال التزييف والتشويه وقلب الحقائق". على أيّ حال، فإنّه من الواضح لدى المراقبين، وفي ضوء ما يتم تسريبه من تل أبيب وباريس وواشنطن ولندن وبرلين وموسكو، أنّ إسرائيل، وفي حال لم يأتِ الإيراني بملء إرادته إلى الحرب، فهي سوف تستغل، في اللحظة الأنسب لها، أيّ هفوة يرتكبها هو أو "وكلاؤه" للانقضاض عليه!
دبلوماسي فرنسي للبنانيّين: بلى عليكم أن تقلقوا!
مواضيع ذات صلة