تسود في معظم عالمنا العربي حالة من رفض الاختلاف والتباين، ورفض التنوع للدرجة التي يتم فيها إلغاء الآخر وإلقاء التهم عليه؛ بل في بعض الحالات يتم التجاوز على الحقوق وإلغاء دوره، والسبب هو الاختلاف في الآراء أو الثقافة أو الأولويات. هذه الحالة الإقصائية عانتها دول وأمم ومجتمعات خلال عقود ماضية، لكنها اليوم تطورت واستبدلت حالة الرفض للآخر، وحالة تجريم مَن يختلف معها إلى حالة التقبل والاستيعاب والتفهم، ووضعت لنفسها قانوناً بأن اختلاف الآراء وتباين وجهات النظر والتنوع الثقافي والمعرفي أمر طبيعي وشأن شخصي، حتى بات ركيزة أساسية في مجتمعاتها، وباتت مثل هذه الاختلافات طبيعية ومعهودة وليست غريبة، فكانت دفعة قوية في نموها وتطورها وتقدمها؛ بل إن البعض يعتبر أن هذا التسامح والتقبل والتفهم للصوت الآخر، واحد من أهم عوامل التطور المعرفي، وأنه هو الذي أسهم في الثورة العلمية والتكنولوجية.
عالمنا العربي لا أبالغ إن قلت إنه مازال يعيش في دوامة من الخوف من الآخر، ورفض أي صوت مغاير للصوت الماثل. وتبعاً لهذه الحالة يوجد تعصب للرأي، وبالتالي استخدام قوالب جاهزة من التهم التي يقذف بها الطرف الآخر في محاولة لإسكاته وتخويفه.
وهذه الممارسة نراها بوضوح شديد في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث التنمّر والقذف والشتم لكل صوت مختلف أو مغاير لطرح البعض في مواضيع تحتمل الاختلاف والاجتهاد، ومع هذا يتم إسكاتها والرد عليها بقسوة خارج نطاق أدب الحوار، وأدب الرأي والرأي المضاد المختلف.
مواقع التواصل الاجتماعي أثبتت لنا بوضوح حالة الضيق من الآخر، حتى باتت كأنها مواقع لنشر الفتن والتضاد، حيث ترى السباب والشتم عند الحديث في مواضيع بسيطة ومتواضعة وليست قضايا مصيرية، ولا هي مواضيع مهمة، ومع هذا حالة من التعصب والكراهية، منتشرة، تتطلب الدراسة من المختصين في مجالات علم النفس وعلم الاجتماع. الجانب الآخر هو أهمية تضمين مناهجنا وخطابنا العام في المحافل والمنتديات ومختلف أنشطتنا الاجتماعية، قيم التنوع والتباين وتقبل الاختلاف، وأنه ركيزة وجزء أساسي من مسيرة البشرية طوال تاريخها.
ليس من الضروري أن ننتظر أعواماً وعقوداً من الزمن حتى نفهم أن الكراهية والضيق من الآخر مدعاة للتأخر والتراجع. لقد سنّت بلادنا الإمارات، منذ وقت مبكر، قانون التسامح ونبذ العنصرية والكراهية، وهي فرصة للأخذ بهذه التجربة وتأسيس ثقافة التقبُّل وسماع الآخر في عالمنا العربي.
www.shaimaalmarzooqi.com