ضمن جهود الدولة لتنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد، تم تنشيط جميع القطاعات وتأهيلها لتسهم - وفق رؤية طموحة - في دعم الموارد، ليس شرطا للتصدير، إنما في البداية لتخفيف الاعتماد على الاستيراد، وتحقيق الاكتفاء الذاتي تدريجيا من المنتجات الصناعية بأنواعها، حتى العسكرية التي لم نكن نحلم بدخول بلادنا في هذا المجال المهم.. واليوم نتحدث عن الزراعة التي شهدت أيضا نقلة نوعية بتوفير مختلف المحاصيل الزراعية النوعية، وجاء دور القهوة التي هي - حسب الثقافة السعودية - رمز الكرم والترحيب بالضيف، فهي أول ما يقدم له. وكان الأجداد في بعض تقاليد الضيافة يستدلون على ارتياح الضيف بمدى إقباله على القهوة والثناء عليها وعلى من أعدها وقدمها له.
ولا تقتصر أهمية القهوة على رمزيتها وشعبيتها، بل هي سلعة اقتصادية مهمة، يقدر حجم سوقها السنوي دوليا بمئات المليارات من الدولارات، ولها بورصة ترصد أسعارها وتداولاتها بوصفها سلعة اقتصادية مهمة، وذلك ما جعل السعودية - وفق رؤية السعودية 2030 - تولي سلسلة الإمداد الخاصة بالقهوة الاهتمام الذي تستحقه، بدءا من استثمار موقع السعودية المهم الذي يقع ضمن حزام القهوة العالمي في زراعة البن، ويمتد الاهتمام إلى كل مراحل صناعة القهوة من التحميص والتعبئة والتخزين إلى تسويق القهوة ومنتجاتها.. إذ تعمل وزارة البيئة والمياه والزراعة والشركة السعودية للقهوة التابعة لصندوق الاستثمارات العامة على مبادرات نوعية تستهدف تطوير زراعة البن للوصول إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الناتج المحلي والتصدير، عن طريق تشجيع زراعة هذا المحصول في المدرجات الزراعية في جازان والباحة وعسير ونجران، وتقديم مساعدات غير مستردة لأكثر من 30 ألف مزرعة في تلك المناطق، وجهود البحث والتطوير للمحاصيل.
والارتقاء بكفاءة المتعاملين مع هذه السلعة الاقتصادية باحترافية عالية من خلال برامج تدريبية، واتفاقية مع الصندوق الدولي للتنمية الزراعية لتقديم المساعدة التقنية لتحسين نوعية البن المزروع في السعودية.. إلى جانب إطلاق مبادرة لجعل 13 محافظة في الجزء الجنوبي الغربي من السعودية مصدرا مهما لإنتاج البن، خاصة البن الخولاني الذي يمتاز نوعيا بالجودة.. وتسعى هذه المبادرات كميا إلى رفع إنتاج البن المسمى "بالذهب الأخضر" إلى 2500 طن سنويا عام 2030 مرتفعة من 300 طن سنويا في الوقت الحالي.
وأخيرا: نظرا للإقبال على القهوة من مختلف شرائح المجتمع، خاصة شريحة الشباب، فإن من المتوقع زيادة الطلب على محصول البن.. ولعل ذلك يكون دافعا لاقتراب المواطنين من هذه الصناعة، وأن تكون الشركة السعودية للقهوة ممكنا لهم لتعظيم استفادتهم وفتح آفاق جديدة وأسواق متعددة لاستثمار هذه الثروة التي يمكننا توطينها في أرض الخير، والفرص الاقتصادية التي لا تنضب، ولعلها تكون عودة للمزارعين من الشباب للعمل في الزراعة كما كان الآباء والأجداد في بعض المناطق رغم قلة الدعم والإمكانات في الزمان السابق، أما في هذا العصر فقد قدمت الدولة دعما غير مسبوق على شكل مبادرات من صندوق الاستثمارات العامة ووزارة البيئة والمياه والزراعة، وعلى الجميع الاستفادة من ذلك لدعم الاقتصاد الوطني.