: آخر تحديث

أحسن مما كان!

10
14
11

لا يختلف اثنان على أن أمريكا منحازة لإسرائيل، وأنها لا تقبل بما لا يقبل به الإسرائيليون، وأنها تمسك بالملف الفلسطيني - الإسرائيلي لوحدها دون أن تسمح لدولة أخرى بأن تشاركها فيه، وذلك حتى تمنع ما لا تريده إسرائيل في صراعها مع الفلسطينيين، وتالياً للحيلولة دون إقامة الدولة الفلسطينية، وأن حرب غزة التي تجري الآن بدمويتها, وعنفوانها, وتدميرها, وقتل وإصابة ما يقارب من مائة الف قتيل ومصاب، فضلاً عن تدمير غزة وتحويلها إلى أرض محروقة تتم بدعم أمريكي مفتوح.

لا أحد يختلف على ذلك، منذ تسلمت أمريكا من بريطانيا رعاية الدولة اليهودية المدللة، ما أُعتبر أن إسرائيل أشبه بولاية أمريكية، وأن الحكومات، والمجالس التشريعية، وكل المؤسسات الأمريكية الرسمية متفقة على دعم إسرائيل بالسلاح والمواقف السياسية، والحرص - كل الحرص - على عدم إغضاب الإسرائيليين، لأسباب انتخابية، حيث يسيطر اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية على مفاصل المؤسسات الاقتصادية والإعلامية، ولا يعطون أصواتهم ومواقفهم إلا لمن يدعم الكيان الإسرائيلي المحتل.

لكن الإنصاف يقتضي الآن منا أن نشير إلى تغيّر نسبي وملموس ومؤثر في مسار هذا الصراع، في الموقف الأمريكي غير المعتاد من إسرائيل التي ترفض التسليم بالواقع، وتصر على منع إقامة دولة فلسطينية مجاورة لها، وتتحدى القرارات الدولية، دون أن تنال العقاب المشروع على تمنّعها في تنفيذ أي قرار، معتمدة في ذلك على الحماية الأمريكية والغرب عموماً، ما جعل أمريكا تملّ من سوء تجاوب تل أبيب وحكومة إسرائيل المتطرفة من مواقفها التي كانت سبباً في كره كثير من شعوب العالم لأمريكا، وتأخذ موقفاً نتمنى أن يكون بداية لتغيير أمريكي شامل لإنهاء الصراع وإحلال السلام بالمنطقة.

ففي اليومين الماضيين لاحظنا أن أمريكا على لسان رئيسها - ووزيري دفاعها وخارجيتها- وبالتزامن يصرحون بأن الخيار الوحيد لإحلال السلام هو بقيام دولة فلسطينية مجاورة لدولة إسرائيل، وأن ليس هناك غيره لبدء علاقة طيبة بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، وأن يتم ذلك بعد وقف إطلاق النار، وإنهاء احتجاز الرهائن لدى حماس والجهاد، ما شكّل صدمة لدى الإسرائيليين الذين رفضوا على الفور إعطاء الفلسطينيين حقهم في إقامة دولة لهم على ما اعتبروه أرضاً إسرائيلية.

وفي ضوء هذا الإعلان الأمريكي الذي يجب على الفلسطينيين والعرب أن يرحبوا فيه، ويساعدوا الولايات المتحدة الأمريكية لتأخذ خطوات أخرى أكثر تقدماً لتحقيق هذا الهدف، بدلاً من الإبطاء في تنفيذه، والاكتفاء بوعود أمريكية لا قيمة لها، ولا تقدم ولا تؤخر، ومحاولة اكتشاف ما وراء هذا التصريح الأمريكي الصريح من خلفيات وشروط ترضي إسرائيل، وتحفظ ماء وجهها، وفي المقابل تحقق للفلسطينيين دولة على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.

وفي نفس السياق، وضمن موقف أمريكي غير معهود من إسرائيل، فقد أعلن الرئيس الأمريكي عن عقوبات بحق عدد من المستوطنين الإسرائيليين، ممن يمارسون القتل بدم بارد ضد سكان الضفة الغربية من المدنيين الفلسطينيين، مبرراً ذلك بأن ما يجري من اعتداءات غير مقبول، وزاد على ذلك بأنه سيتخذ عقوبات أشد ضد آخرين إذا لم يتم الالتزام بالتوقف عن هذه الاعتداءات، مشيراً إلى أن ما يفعله هؤلاء من عنف يقوّض أمن إسرائيل، بعد أن بلغ مستويات لا يمكن التسامح معها، مع أن حكومة إسرائيل برئيس وزرائها ووزرائها سارعوا - كما هي عادتهم - وقاموا بتكذيب أن يكون المستوطنون قد فعلوا ذلك، وأن هذه أكاذيب تنطلق من معاداة للسامية، واصفين هؤلاء القتلة المجرمين بأنهم أبطال، وإمعاناً في الرفض فقد أعلن وزير مالية العدو بأنه ينتظر إكمال إجراءات بناء سبعة آلاف وحدة استيطان جديدة بالضفة الغربية.

المقارنة بين الموقف الأمريكي قبل السابع من أكتوبر من العام الماضي وحتى خلال الأشهر الماضية من حرب غزة، وبين الموقف الآن فيه تغير ومرونة وشيء من الواقعية، ومن المهم أن يلتزم البيت الأبيض بهذا الموقف ويطوره، وصولاً إلى تحقيق قيام الدولة الفلسطينية، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، خاصة مع إعلان بريطانيا هي الأخرى بأنها تدرس الآن الاعتراف بالدولة الفلسطينية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد