: آخر تحديث

الاصطياد في ماء التنجيم

10
8
10
مواضيع ذات صلة

ألا تكفي العربَ الأوضاعُ التي لا يعرف أحد إلى أيّ منقلب هي منقلبة، حتى يزيدَ المفترون بالتنجيم كيداً بالاستغباء؟ لكن، على جميع المعنيين بشؤون الأمن والدفاع في العالم العربي أن يَمنّوا بلفتة كريمة على هذا الحادث الجلل، فليس من الجدّ أن يأخذوا على محمل الهزل تدخّلَ النجوم في أمور سياديّة من أثقل الأوزان، لانعكاساتها الجيوسياسيّة والجيوستراتيجيّة. المسألة غير هيّنة، فهي قضيّة قد تكون قاضيةً، ما وراءها بعدُ شافيةٌ ولا عافية. لم نسلم من تدخّلات الأرضيين، فلنتّقِ شرّ تدخّلات الأفلاك.

التنجيم في هذه الظروف ليس تسلية. يقيناً، أجهزة الأمن في كل دول العالم تتخذ إجراءات صارمةً إزاء أيّ شخص يتخابر مع جهات أمنية خارجية، فكيف يجب أن تكون ردود الفعل إزاء منجّم يتخابر مع النجوم، في مجرّة سكة التبّانة، أو مجرّات خارجها؟ لماذا يشكّل الأمر أخطاراً جسيمة؟ إذا كان النجم متواضع الحجم كشمسنا، فإنه يعادل في الأقل مليوناً من كرتنا الأرضية. لكن الهول يتمثل في أنه يعلم كل سرّ، وما هو أخفى، عن بلد مثل لبنان. إحدى المنجّمات، تلقت تقارير من مصادر فلكيّة، تفيد بأن شاحنة ستنقلب في التقاطع الفلاني في بيروت. وتشاتم وملاكمة بين نائبين. انحدار، لِمَ لم تبشّرها النجوم بأن الدولار سيغدو بليرتين؟ لكن النجوم مطلعة أوّلاً بأوّل عن كل ما يجري على سطح كوكبنا، من أخبار غزّة إلى أدنى دانٍ وأقصى قصيّ. بلد الأرز لا يمثّل سوى واحد على 51 ألفاً من مساحة الأرض. كل ذلك والنجم بعيد سنين ضوئية، مئات، ملايين. السنة الضوئية: عشرة آلاف مليار كيلومتر، فتخيل ما تعرفه من أسرار عن الولايات المتحدة، الهند، الصين. من أخبار السلطات الأربع إلى الخالات والعمّات. أنباء الأبراج الصينية تترجم النجوم تقاريرها إلى فئران، ثيران، نمور، أرانب، خنازير، قردة... إلخ.

سامح الله القلم، وإن كان رأيه سديداً، وينمّ عن عمل بمقولة «الدين النصيحة». لقد دعا أجهزة الأمن في البلدان العربية والإسلامية إلى إلقاء القبض فوراً على جميع المنجمين والمنجمات، وإخضاعهم لتحقيقات لها أوّل وليس لها آخر، فإن كانوا صادقين في أن لديهم اتصالات بالنجوم، قريبها والبعيد، فما أحوج بلاد العُرْب أوطاني، إلى مصادر معلومات وبيانات عن كل فرد من المليارات الثمانية، المراقَبين تحت المجهر الفلكي. عندئذ تتساوى وكالات الاستخبارات الكبرى والصغرى. وبما أن النجوم عليمة حتى بما يدور في جحر الضبّ، فلا شك في أنها ستأتي بأخبار الحضارات الأخرى في الكون، إن وجدت. أمّا إذا كان المنجمون كاذبين كالعادة، فإن اعتقالهم رحمة للعالمين.

لزوم ما يلزم: النتيجة الجنائية: مبرّرات الاعتقال أسهل من شربة ماء: نشر الشائعات، بث الإرهاب بتوقّع مكروه يقع لأفراد، أو دول كالزلازل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.