: آخر تحديث

أفريقيا محمد الفيتوري.. الآن

13
11
14
مواضيع ذات صلة

أكثر شاعر عربي كتب من أجل أفريقيا هو محمد الفيتوري ثنائي الانتماء بين السودان وليبيا، غير أن صاحب «أغاني أفريقيا»، و«عاشق من أفريقيا»، و«اذكريني يا أفريقيا» و«أحزان أفريقيا»، كان عروبياً أصيلاً.. مصرياً، ولبنانياً، وعراقياً وإلى آخر زرد الظهر العربي الذي أعطاه شخصية ثقافية «كاريزمية» سواءً في صورته السمراء الحرّة، أو في طريقة إلقائه للشعر حيث وهو يقرأ يحوّل اللغة إلى كائن متكلّم، وبالطبع، بضميره المتكلم هو.. وبقلبه.. ولسانه..

محمد الفيتوري الآن، وأفريقيا الآن.. شاعر أسمر، وقارّة سمراء في هذه اللحظة المتحوّلة المفاجئة التي إن لم يكن قد حلم بها، فهو توقّعها بحدسه الشعري أولاً، إذ كان الشعر بالنسبة إليه رؤية ورؤيا معاً شأن الشعراء الكبار الذين يقدرون على حمل قارّة على أكتافهم النحيلة، لا ليقولوا للحياة وللعالم إنهم: أقوياء وإنهم أسطورة، بل، لأن قلوبهم رحبة، وحارّة، مثل الدم الانساني الصافي الذي يجري في عروقهم.

يقرأ محمد الفيتوري الآن من جديد، بل، أرى وعلى نحو شخصي متواضع، أن الصحافة الثقافية العربية اليوم هي حقل موضوعي ونقدي وثقافي لاستعادة محمد الفيتوري.. شاعر أفريقيا، في ضوء التحوّل الإفريقي نحو خيارات جديدة لشعوبه.. لا بل إن الشعر الأفريقي، والآداب والفنون الأفريقية بعامّة هي اليوم مادة إبداعية، أدبية، معرفية يتوجب أن تُقرأ، وان تُكتشف، وأن تُعرف على أكثر من مستوى، وهي بالطبع مستويات: الإبداع، والإنسان، والجمال، والروح، والمعرفة.. بعيداً كلياً عن السياسة وظلامها، وتعقيداتها المركبة.


من هذه الزاوية، أو من هذه اللحظة الأفريقية الجمالية أولاً يمكن أن يستعاد محمد الفيتوري على المستوى العربي في الصحافة الثقافية وفي الفكر الشعري والأدبي عموماً، كما يمكن أن يستعاد على المستوى العالمي الأدب الأفريقي، ورموزه التي استحقت نوبل، وتلك التي حظيت بترجمات عربية قرّبتنا من الروح الأفريقية الإنسانية، والجمالية الحرّة.

كل حدث سياسي كبير، تحوّلي، وتاريخي له بالضرورة تداعيات ثقافية تضيء على الأدب والفن والكتابة والفكر والنقد في مناطق الحدث، مرة ثانية، بعيداً عن متاهات السياسة ونتائجها وصراعاتها المرعبة، ذلك أن الفن هو التاريخ الحقيقي للإنسان والمكان..

يأتي ويذهب الجنرالات. تشتعل الحروب ومآلها إلى انطفاء. يتوحش الطغاة ويوغلون في الدم وينتهون إلى رماد، إلّا الفن، والأدب، والجمال..

ما يبقى هو الشعر، والكتابة، والمسرح، والرسام، تبقى الموسيقى والمعمار والجسور والحدائق والمدارس والجامعات..

تبقى الحياة، وتبقى ثقافة الحياة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.