: آخر تحديث

أمن غذائي في أزمة وأمن مناخي في خطر

15
14
12
مواضيع ذات صلة

بين الحرائق الناجمة عن ارتفاع الحرارة والفيضانات التي أغرقت مساحات واسعة في بلدان عدّة، تُطلق أزمة المناخ عاماً بعد آخر إنذارات بمخاطرها لتنبيه العالم علّه يستطيع شيئاً في تصحيح تعامله مع الطبيعة، وتذكّره مجدّداً بأن أي تقدّم جدّي لم يُحرز منذ بدأ الاهتمام بظاهرة الاحترار المناخي، وأن استجابة الدول الكبرى المسؤولة عن الانبعاثات الكربونية لتوصيات المؤتمرات المتخصصة لا تزال بطيئة ومحدودة.

إذاً فـ«الأمن المناخي» يتفلّت أكثر فأكثر من الضوابط المطلوبة، لكن تبرز مجدداً وبالتزامن أزمة «الأمن الغذائي» المتفاقمة منذ عقدين على الأقل لأسباب متفاوتة ولتقلّبات المناخ دورٌ فيها، إلا أن دور الحروب والأزمات والتحكّم بالإمدادات والاحتكارات يبدو أكبر.
يتعلّق الحديث السائد حالياً بانعكاسات الحرب الروسية- الأوكرانية على خطوط تجارة الأغذية التي تملك الدولتان ثلثها، وأيضاً بإنهاء موسكو العمل بـ«اتفاق البحر الأسود» (يوليو 2022) لتسهيل تصدير منتجات البلدين من الحبوب وملحقاتها (قمح، شعير، ذرة، زيوت...).

لكن مسألة الأمن الغذائي أوسع من ذلك، كما أوضحت أعمال «قمة نُظم الأغذية» التي نظّمتها الأمم المتحدة أخيراً في روما. توقّعات الهيئات الدولية المتخصصة شهدت نمواً في الإنتاج هذه السنة، وهو ما أكّده الرئيس فلاديمير بوتين في مقال نُشر عشية انعقاد قمة سانت بطرسبرغ، بغية تهدئة قلق ضيوفه الزعماء الأفارقة الذين تمثّل بلدانهم الطرف الأكثر تضرّراً من أي خلل في سلاسل الإمداد. وفي السياق أكّد أن روسيا ستعوّض نقص الإنتاج الأوكراني في الأسواق. لكن، بمعزل عن أي صراع أو جدل بين المعسكرَين الغربي والشرقي، لا تحبذ غالبية دول العالم، ولا سيما الدول النامية، أن يتحوّل الغذاء سلاحاً أو مادة في أي حرب. كانت روسيا وافقت على مبادرة تصدير الحبوب لقاء شروط تعهدّ الأمين العام للأمم المتحدة بتلبيتها، وقد يكون عوّل على وعود تلقاها من دول الغرب، كما تعتقد موسكو، إلا أن تفاوضه معها لم يؤدِّ إلى نتيجة إذ كان المطلوب تخفيف العقوبات أو رفعها عن أنشطة القطاع الزراعي الروسي وتصدير منتجاته، وكذلك إعادة البنك الزراعي الروسي إلى نظام «سويفت».


وفي أوج «أزمة الحبوب» أشارت موسكو إلى أن معظم الإنتاج الأوكراني صُدّر العام الماضي إلى دول الغرب وليس إلى البلدان المحتاجة، بما في ذلك البلدان الأفريقية. لذلك تجمّعت الأسباب لخروج روسيا من تلك المبادرة، وأيضاً لإرباك دول الغرب في بحثها عن مسارات برية أو نهرية لتصريف الإنتاج الأوكراني، رغم أن خمس دول أوروبية على الأقل تحظر دخوله لئلا ينافس إنتاج مزارعيها.
قمة روما الأممية أعطت تشخيصاً أكثر وضوحاً، وقتامةً، لقصور نظام الغذاء في العالم، والشكوى هنا تتخطّى نقص الإمدادات والتلاعب بأسعار المواد الأساسية لتطرح المشكلة الأهم كما اختصرها أنطونيو غوتيريش بالقول: «في عالم تسوده الوفرة، من المشين أن تستمر معاناة أشخاص من الجوع ومن الموت جوعاً».


وتشير أرقام الوكالات الخمس التابعة للأمم المتحدة إلى أن الجوع يصيب واحداً من كل عشرة أشخاص (أي نحو 780 مليوناً)، في حين «يُهدر ثلث كمية الطعام في العالم أو يُتلف» غالباً للحفاظ على الأسعار. تطلب الأمم المتحدة خمسمائة مليار دولار- وليس مؤكّداً أن تلبّى- لمساعدة الدول النامية على القيام باستثمارات طويلة الأجل في أنظمة غذائية أكثر إنتاجية واستدامة، وفيما تخصّص الدول الغنية 700 مليار لدعم مزارعيها تلفت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) إلى أن إطعام سكان العالم، فيما تزداد أعدادهم، بات يحتاج إلى «تحوّل جذري» في طريقة إنتاج الغذاء ومعالجته وتسويقه واستهلاكه.
*محلل سياسي- لندن


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد