: آخر تحديث

الاستعارة والاسترداد: حوار مع أدونيس

15
14
16
مواضيع ذات صلة

فرص واسعة يقدمها مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء) في الظهران للقاء قامات ثقافية أثارت جدلاً واسعاً خلال العقود الفائتة، فعلى هامش الحفل الختامي لبرنامج "أقرأ" استضاف المركز عدداً من الشخصيات الثقافية المؤثرة على رأسهم الشاعر السوري الجدلي "أدونيس" الذي تعرّفت عليه في وقت مبكر من خلال رسالته للدكتوراة التي نشرت في 4 أجزاء بعنوان "الثابت والمتحول"، وكان الشيء الذي شدني في هذا الكتاب، ليس آراؤه في الشعر وتحليله له بل قوله إن "العرب تقبلوا الحداثة المادية لكنهم لم يستطيعوا قبول القيم التي صنعت تلك الحداثة"، بالنسبة لي كان تشخيصاً مبكراً للعقل العربي، ويبدو أن هذا الرأي المبكر لا يزال قائماً حتى اليوم. قبل بداية البرنامج الثقافي دعانا الصديق المعمار فؤاد الذرمان إلى منزله للعشاء على شرف بعض ضيوف إثراء، وهم: أدونيس وابنته والروائي الجزائري واسيني الأعرج والإعلامية العراقية إنعام كجه جي، وبرفقة بعض الزملاء من شركة أرامكو على رأسهم الأستاذ عبدالله جمعة رئيس الشركة السابق.

يجب أن أشير في البداية إلى أن آراء أدونيس صادمة، ليس في الشعر العربي الكلاسيكي المعاصر فقط الذي لا يعتبره إضافة مهما بلغت "الشعرية" فيه، بل في أطروحاته بشكل عام التي لا بد أن تثير التساؤل عند الجميع، يقول عن نفسه إنه "ليس ناقداً ويحاول أن يكون شاعراً"، وهذا ليس تصنّعاً أو تواضعاً مزيفاً، بل هو تواضح جوهري مرتبط بشخصيته، على الأقل هذا ما شعرت به، ذكرت له أنني أختلف معه في قصيدة النثر، فأنا لا أفهمها ولا أتذوقها، فقال لي: "إذن لا يوجد خلاف لأني أحياناً لا أتذوقها"، يبدو لي أنه يعطي مساحة واسعة للخلاف مع الآخر، فآراؤه النقدية فلسفية وعميقة ولها ما يبررها رغم أنه يقول عن نفسه إنه ليس ناقداً. لديه قناعة كبيرة أن العرب يملكون حضارة عظيمة لكنهم تاهوا آخر مئتي عام بين الاستعارة من الغرب واسترداد الماضي، ولم يستطيعوا أن يكونوا على طبيعتهم التي كانوا عليها ولم يتجاوزا تاريخهم، الحداثة غير المكتملة والمترددة هي أقرب وصف لحداثة العرب خلال القرن الماضي على وجه الخصوص، حسب تصوره، وإن كان لم يعبر عن ذلك حرفياً.

سألني الذرمان عما سأذكره من الحوار مع أدونيس في المستقبل، فقلت له أنا شخصياً غير مهتم بآرائه في الدين والشعر، إلا كونه يرى أن أي استعادة للإبداع التاريخي مهما بلغت درجة إتقانه لا تمثل أي ابتكار يمكن أن يغير من الصورة التاريخية ويضيف عليها، وأجد أن هذا الرأي يتطابق مع فكرة التراث الموازي التي أعمل عليها منذ سنوات، فهي مبنية على تجاوز التراث التاريخي بشكل كامل، ربما تكون هذه المسألة هي من أكثر المسائل التي تحث على التفكير، وقد يعدّها البعض استفزازية، فهو يرى شاعراً كبيراً مثل أحمد شوقي مجرد ناظم للشعر، فهو يتقن نظم الشعر التقليدي لكنه لم يغير من حركة الشعر العربي ولم يطورها، قد يرى البعض أن مثل هذه الآراء متطرفة، لكنها قد تكون مطلوبة في وقت غاب فيه الإبداع والتجديد. لفت نظري كذلك قوله: "إن عظمة الإنسان في السؤال وليست في الإجابة"، وكأنه يقول إن الفضول المعرفي والموهبة النقدية كلها عبارة عن أسئلة، وإن جودة السؤال هي التي تقود إلى المعرفة والتغيير.

تحدثت معه حول "الشعرية"، التي يرى أنها ليست خاصية مرتبطة بلغة الشعر وأسلوبه فقط، بل هي جزء من الشعور، ويرى أنه يستحيل ترجمة الشعور "فهو يعاش ولا يترجم"، ويبدو أن هذا الرأي مبني على أن جوهر التطور لأي فن من الفنون ينبع من بنيته الثقافية المحلية التي أوجدته أساساً، وكأنه يرد على منهج الاستعارة من الآخر الذي بات أحد مظاهر الثقافة العربية المعاصرة، وأن هذا المنهج لن يقود الثقافة العربية إلى أي مكان. العلاقة بين اللغة والشعور تشبه العلاقة بين الشكل والشعور فكل شكل يولّد شعوراً مرتبطاً به، فإذا حوصرت الأشكال (بما في ذلك الأشكال المعمارية) بين الاسترداد التاريخي وبين الاستعارة من الآخر فقدت ميزتها.

اليوم التالي لحفل أقرأ في إثراء كان هناك لقاء آخر (يوم الأحد الفائت) في منزل الأديب والإعلامي المعروف محمد رضا نصر الله في القطيف، بحضور أدونيس والشاعر البحريني قاسم حداد والشاعر اللبناني شوقي بزيع والشاعر جاسم الصحيّح وكثير من الشعراء والمثقفين، وأشار أدونيس إلى الصعود الواضح لشاعرية المرأة كظاهرة معاصرة في الشعر العربي المعاصر، بالنسبة إلي تحدثت مع شوقي بزيع حول رأي أدونيس في الرواية وأنه لا يتذوقها ولا يقرؤها، وكان رأيه على خلاف أدونيس أنه قرأ مئات الروايات لكنه قال: "الرواية قد تقرأ مرة أو مرتين بخلاف الشعر الذي لا حدود لقراءته"، وكأنه يقول إن الأدب الخالد هو الشعر لا غير.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد