: آخر تحديث

خطورة الجوار، وجوار الجوار

51
48
49
مواضيع ذات صلة

لم تكن مفاجأة تلك التي اختطفتها مشاهد الأحداث في أثيوبيا، فكشفت المُسيرات عن وجه القاتل الحقيقي، عن لعنة الفراعنة وسد النهضة، عن الوجود الثلاثي «إسرائيلي وإيراني وتركي» بالقرب من الرفيق المستتر، والمزروع المُبتكر أبي أحمد.

كشرت تركيا وإيران ومن قبلهما إسرائيل عن أنيابها، ودفعت بعشرات المُسيرات «الدرون» لكي تجهض ثورة شعب «التيجراي» الأثيوبي ومعهم جبهة تحرير «الأورومو» من «الأورومي المستبد» أبي أحمد.

الشعب المناهض للعنصرية أصبح على بعد 250 كيلومترًا من العاصمة الأفريقية الجميلة أديس بابا، والرجل القوي سابقًا يستعين بالأطفال ويختطفهم من قراهم وسط صراخ الأمهات وعويل المكلومين وضجيج المتفرجين للدفاع عن عرشه الكارتوني وألاعيبه البهلوانية الخطرة.

لم يتحرك العالم للدفاع عن حق مصر والسودان في مياه نهر النيل بعد قيام سد النهضة «غير المزعوم»، لكن دول الجوار، وجوار الجوار هبت عن بكرة أبيها لإنقاذ عميلهم الأكثر من مزدوج في القرن الأفريقي، هرع إليه الإسرائيليون والإيرانيون والأتراك، وضعوا إمكاناتهم لتصبح تحت تصرفه وفي خدمة أمانه المستحيل، والظن الذي لم يعد أقل القليل منه إثمًا أصبح حقيقة مؤكدة، وأن دول الجوار التي باغتتنا، وجوار الجوار التي داهمتنا، والمستعمر البعيد الذي رشقنا في صميم وجودنا العربي ليكون لديه موطن قدم في القارة السمراء، بل ولقمة عيش على حساب أفقر الفقراء، وأضعف الضعفاء، أصبح لا يخفي وجهه القبيح، وأصبح من ينوب عنه بتوكيل رسمي أو بإشارة ضوء، أو في لمح البصر موجودًا بقلبه وروحه وعدة وعتاد الطامعين، دول جوار، أو جوار الجوار، لا يهم، المهم أن المشهد الأثيوبي كشف الوجه القبيح للمشاريع الإقليمية الثلاثة، للذين يُخدمون عليها ويحملون المباخر إليها من داخل الوطن الأثيوبي متعدد الأعراق والقوميات، هو بالتمام والكمال ما يفسر فكرة سد النهضة، وتعنت أبي أحمد ورفضه التفاوض بشفافية مع السودان ومصر، هو ما يؤكد أيضًا أن للأعداء ألف وجه ووجه، وأن للمتربصين ألف قناع وقناع، وللمعتدين على مقدراتنا ألف عميل وعميل.

أثيوبيا من الداخل اليوم، هي العرب من الخارج، أثيوبيا تحت التقسيم وهذا أضعف الإيمان، والعرب تحت العدوان وهذا واضح للعيان، أثيوبيا مرشحة للسباحة في بحر من الدماء، والعرب مرشحون للتفتت والتقسيم أكثر فأكثر.

أفريقيا والعرب شقا رحى في معادل موضوعي يكشف عن وجهه الحقيقي قبل فوات الأوان، يقولون إنه غضب المصريين، ودعاء السودانيين، وفرصة العمر التي لا تذهب إلا لمن يستحقها، ويقولون: إنه الوضع الحقيقي لمحرك الأداء على قطعة الشطرنج، وللمسيطر القوي على مائدة الجدل عندما تتوازى القوى وتتساوى الرؤوس ويصبح الفريقان قاب قوسين أو أدنى من النصر المؤزر المبين.

من يا ترى يكسب معركة «التيجراي»، ومعركة الفراعنة شمالًا وجنوبًا في الصراع الطويل على المياه بأرض وادي النيل؟ من يا ترى سيسحب مُسيراته أولًا، أو سيجمع أشلاء جثثه في نهاية المطاف؟

بالتأكيد لا مكاسب تحت المجهر، ولا مخلوقات خارقة قد تأتي من بعيد لتعديل زوايا الرؤية للمشهد المحتقن في القرن الأفريقي «غير البعيد»، وغير «السعيد»، وبالتأكيد فإن رغم أهمية ما يحدث في الداخل الأثيوبي العميق، ورغم خطورة الأدوار التي تلعبها قوميات وأمم الجوار وجوار الجوار، إلا أن لا المصريين ولا السودانيين يمكنهم أن يحركوا ساكنًا في المشهد الأثيوبي الرهيب.

السودانيون مشغولون بالديمقراطية ومدنية الدولة أكثر من انشغالهم بخطورة دول الجوار، والمصريون مشغولون بنقل الحكومة من القاهرة الفاطمية القديمة إلى العاصمة الصحراوية الإدارية الجديدة.

لا شيء يهم في الوعي السطحي المصري والسوداني غير ديمقراطية التعمير، ديكتاتورية الانتقال الحديث من الحقبة العسكرية إلى الحقبة المدنية، نجحت مصر في التحول التدرجي المبرمج ومازال السودان يحاول، ولكن أخطأ الطرفان ربما للمرة الثانية والثالثة والرابعة أن أمنهما المائي مازال مهددًا، وأن الأثيوبيين لو اختلفوا على نظام الحكم فيما بينهم فإنهم لن يختلفوا قط على حقهم في التنمية والكهرباء وفي سد النهضة المحشور في خاصرة الجيران والأصدقاء.

فتشوا عن خطورة دول الجوار، وأمم وقوميات جوار الجوار، ستفهمون ماذا يحدث لنا الآن، وكيف حدث؟!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد