محمد البشاري
خطاب صريح وناقد وحافل بالرسائل المركبة ذلك الذي ألقاه العاهل المغربي الملك محمد السادس مساء السبت 30 يوليو، بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لتوليه الحكم، حيث أجمعت أغلب القراءات التفاعلية مع الخطاب، سواء في المنابر الورقة أو الرقمية، ومعها مواقع التواصل الاجتماعي، على أن الخطاب كان أشبه خطاب مكاشفة بامتياز. خصّ الملك محمد السادس المشهد الحزبي بنقد صريح في هذا الخطاب، معتبراً في هذا السياق أن «التطور السياسي والتنموي الذي يعرفه المغرب، لم ينعكس بالإيجاب على تعامل الأحزاب والمسؤولين السياسيين والإداريين، مع التطلعات والانشغالات الحقيقية للمغاربة»، مضيفاً أنه «عندما تكون النتائج إيجابية، تتسابق الأحزاب والطبقة السياسية والمسؤولون إلى الواجهة للاستفادة سياسياً وإعلامياً من المكاسب المحققة. أما عندما لا تسير الأمور كما ينبغي، يتم الاختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه»، متوقفاً أيضاً عند فقدان عدد من النخب الحزبية لثقة الملك وثقة المواطنين: «وإذا أصبح ملك المغرب، غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟».
هذه إشارة نقدية تهم أغلب الأحزاب السياسية، بما فيها الحزب الإسلامي الذي يقود الحكومة المغربية الحالية، بل حظيت زعامة هذا الحزب بنقد واضح في أكثر من مناسبة، كما اتضح مثلاً، من خلال الإحالة على ما كان يُروجه الأمين العام للحزب الإسلاموي، عبد الإله بنكيران، وهو أيضاً، رئيس الحكومة السابقة، حيث كان غالباً ما يتذرع بوجود إعاقات تحول دون اشتغاله بالشكل المطلوب، وفي هذه الجزئية الدقيقة والمهمة، كان الخطاب الملكي واضحاً: من يرفع هذا الشعار يؤكد عجزه، وما عليه سوى تقديم الاستقالة، وهي الإشارة النقدية التي أصابت أعضاء الحزب الإسلامي وحركته «الإخوانية» المتحالفة معه، بالخرس في مواقع التواصل الاجتماعي.
بل اتهم الخطاب الملكي أحزاب الساعة بتقديم المصالح الحزبية على مصالح المواطنين، قائلاً: «لم يخطر لي على البال أن يصل الصراع الحزبي، وتصفية الحسابات السياسوية، إلى حد الإضرار بمصالح المواطنين... إلا أننا لاحظنا تفضيل أغلب الفاعلين لمنطق الربح والخسارة، للحفاظ على رصيدهم السياسي أو تعزيزه على حساب الوطن، وتفاقم الأوضاع»، وهذا ما عاينه الرأي العام المغربي مؤخراً مع بعض أسباب الحراك الذي طال مدينة الحسيمة، حيث تبين أنها مرتبطة بصراعات سياسية وحزبية، على عهد رئاسة الحزب الإسلامي للعمل الحكومي، وهي الصراعات التي تطلبت تدخلاً ملكياً لكي يتم فتح تحقيق أمني فيها، من المفترض أن يتم الكشف عن نتائجه في غضون الفترة المقبلة، وقد تصب في متابعة وزراء من الحكومة التي يقودها حزب «العدالة والتنمية»، بما في ذلك الوزراء الإسلاميون.
ومن خلال المعالم الكبرى لهذا الخطاب، يبدو أن المغرب مقبل على موجة إصلاحية كبرى في الطريق، وقد تتطلب المرور على ما يُشبه حملة تطهير، تقتضي إزاحة العديد من النخب السياسية والمؤسساتية، بما فيها النخب الإسلاموية التي تتحمل مسؤولية هي الأخرى في ما آلت إليه الأوضاع، على غرار باقي النخب في الساحة.
*أمين عام المؤتمر الإسلامي الأوروبي