بعد الكشف عن قيام إيران في فبراير (شباط) بتخصيب بعض اليورانيوم إلى ما يقرب من 84 في المئة، أي أقل من 90 في المئة اللازمة للمواد المستخدمة في صنع الأسلحة، عمل كبار المسؤولين الإسرائيليين على تقريب الغرب من موقف تل أبيب في شأن البرنامج النووي الإيراني.
التقى وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان في واشنطن لمناقشة سعي طهران للحصول على الطاقة النووية وتهديدها للمنطقة.
فيما تواصل إيران التلاعب بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، تزامناً مع قرب اجتماع مجلس محافظي الوكالة عملت طهران على تهدئة المجتمع الدولي بدعوة مدير عام الوكالة رافائيل غروسي لزيارتها في محاولة لإظهار بعض المؤشرات لتدل على استعداد أكبر للتعاون مع المجتمع الدولي في شأن برنامجها النووي، لذا ليس من المتوقع أن تمرر أي قرارات جديدة تدين إيران.
تركزت التبريرات الإيرانية على أن تخصيب اليورانيوم بهذه النسبة الكبيرة يرجع إلى خطأ موضعي، وأن وجود جزيئات تزيد نسبة التخصيب بنسبة 60 في المئة لا يعني الإنتاج بتخصيب أعلى من 60 في المئة، وفقاً لتصريحات مدير الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية.
وتعمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية على تحديد ما إذا كان التخصيب بالفعل تراكماً غير مقصود داخل شبكة الأنابيب التي تربط مئات أجهزة الطرد المركزي سريعة الدوران المستخدمة لفصل النظائر.
المفارقة هو أن تخصيب إيران اليورانيوم بنسبة 60 في المئة منذ أشهر ماضية لم يثر غضب الغرب على هذا النحو، بل وصول نسبة التخصيب إلى 84 في المئة. والنسبة الأخيرة ليست سبباً لقلق جديد في حد ذاته، لأن التقدم الكبير كان في الأولى التي بلغتها طهران بالفعل في النصف الأول منذ 2022، الأمر الذي يعني أن تصنيع سلاح نووي يتطلب عدة أسابيع فقط، ومن ثم فإن 90 في المئة مسألة قرار قيادة إيران.
من هنا فإن محاولة إيران الكشف عن نسبة التخصيب الأخيرة وإعلان استمرارها في التحليق دون عتبة 90 في المئة بقليل، الهدف منها ممارسة الضغط على الغرب للتمسك بمفاوضات إحياء الاتفاق معها من أجل احتواء أي تطورات في قدراتها النووية، وعدم إعلان موت الاتفاق النووي، وإحالته لمجلس الأمن الدولي. وبدعوتها لمدير الوكالة الدولية غروسي فهي تستهدف تجنب أي عقوبات من قبل الوكالة من خلال السماح لها بإعادة تثبيت كاميرات المراقبة التي كانت قد أزالتها من ثلاثة مواقع، ووافقت على بعض المراقبة المكثفة والوفاء بالتزاماتها بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. في ظل هذا السياق خرج غروسي بتصريحات متفائلة حول التفاهم مع إيران.
لكن هذا التفاؤل يقابله التخوفات الإسرائيلية، ومن ثم ستظل تل أبيب تعمل على خلق توتر في العلاقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية عبر تمكن أجهزتها الاستخباراتية من العثور على مزيد من الأدلة تبرهن خداع طهران للمفتشين.
تحاول إيران خلق واقع جديد فيما يخص قدراتها النووية، وحتى إذا تم إحياء الاتفاق فالتخوف الحقيقي يتعلق بالمعرفة التقنية التي حصلتها في مجال التخصيب وأجهزة الطرد المركزي، وبالتبعية قدرتها على تشغيل الآلاف منها علماً أن كثيراً منها متقدم، إضافة إلى استخدام اليورانيوم المعدني في الوقت الذي يخضع البرنامج لفحص محدود وجزئي فقط. يدور كل هذا فيما تخوض طهران صراعاً مستمراً مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شأن مواقع غير معلنة عثر فيها على يورانيوم ولم تقدم الأولى عنه أي تفسيرات مرضية.
التحدي الرئيس فيما يتعلق بالمسألة النووية هو عدم وجود استجابة في المدى القريب للتقدم الواسع في البرنامج النووي. يعزز هذا الغياب قلة الاهتمام بالقضية في الولايات المتحدة، ولكن سيظل خيار تشجيع إعلان الولايات المتحدة والدول الأوروبية عن "موت" خطة العمل الشاملة المشتركة والعودة إلى مجلس الأمن للتوصل إلى قرار جديد في شأن العقوبات على إيران من خلال آلية "كبح الزناد" (سناب باك) وفقاً للاتفاق النووي.