تتحدث الأساطير القديمة في التراث الإيراني عن (الضحاك ذو الثعبانين)، وهو دكتاتور وقاتل متسلسل لديه ثعبانين يستقرّان على كتفيه ويجب أن يتغذيا على دماغ شاب كل يوم، وقصة الضحاك تنطبق على حكومة إيران الحالية التي لا يمكن أن تستمر في الحياة إلا عندما تتغذى على دماء الشباب.
وبحسب ما كتبه فردوسي، شاعر إيران الشهير، أن (كاوه)، وهو حداد خسر أبناءه الأربعة الذين قتلهم الضحاك، تمرّد على الضحاك عندما انتزع منه إبنه الخامس ليجعله طعاماً للثعابين، فأصبح كاوه زعيماً للثورة التي قتلت الضحاك.
وكما ذكرتُ، إن عصر نظام الملالي في إيران یتشابه كثيراً مع عصر الضحاك، إذ لا يمكن استمرار حكم الملالي إلا من خلال إراقة المزيد من الدماء يومياً، بدليل الإعدامات العلنية التي تحصل بشكل شبه يومي في مختلف مدن إيران، أمام أنظار المجتمع الدولي.
إن هذا النظام ليست له أية فعالية أو جدوى في الاقتصاد، ولا في أي مجال اجتماعي، بما في ذلك الصحة والبيئة والرعاية الاجتماعية والتعليم والتربية، ويحافظ على ديمومة حكمه فقط باستخدام سياسة القمع الداخلي وتصدير الإرهاب الى الخارج.
لقد كان الإعدام عاملاً استراتيجياً مهماً في الحفاظ على حكم الملالي منذ اليوم الأول لحكمه المشؤوم، ومن سمات الانتفاضة الحالية المستمرة منذ ما يقرب من أربعة أشهر، زيادة الضغط على النظام لمنع تنفيذ أحكام الإعدام.
ويُعد هذا تدبيراً من تدابير حقوق الإنسان البحتة في الخطوة الأولى، لكن من وجهة نظر الملالي، فإن الضغط عليهم كي لا ينفذوا عقوبة الإعدام يعادل الضغط عليهم لإسقاط عرشهم: هي معركة حياة أو موت.
وبناءً على ذلك، أصبح الإعدام بحد ذاته عنصراً من عناصر الصراع بين المحتجين في شوارع إیران وأنصارهم حول العالم وبين الملالي الحاكمين.
وبالتالي، فإن الضغط الدولي لمنع إعدام المتظاهرين الذين تم اعتقالهم خلال الانتفاضة الإيرانية يعد عاملاً جديداً مهماً في تعامل المجتمع الدولي مع هذا النظام. ويُعد هذا خارج نطاق وجوب الدفاع عن حقوق الإنسان والدفاع عن حق الشعب الإيراني في تأسيس نظام عادل وديمقراطي بعيداً عن الملالي.
وعلى مر السنين، استغل الملالي سياسة الاسترضاء تجاه إيران وحصنوا أنفسهم بثقافة الإفلات من العقاب الناجمة عن هذه السياسية، الأمر الذي أدى إلى تعزيز أساس حكمهم.
شاهدنا ذروة عدم اكتراث المجتمع الدولي بإراقة الدماء من قبل الملالي من أجل الحفاظ على حكمهم في صيف عام 1988 الذي شهد إعدام 30 ألف سجين سياسي، معظمهم من أنصار منظمة مجاهدي خلق في سجون الملالي بسبب توجهاتهم السياسية فقط.
وعلى عكس انتفاضة نوفمبر 2019 التي قتل فيها النظام أكثر من 1500 متظاهر خلال 5 أيام، فإن دور وحدات المقاومة هذه المرة في نشر التظاهرات والسخط الشعبي في 282 مدينة وتنظيم حروب شوارع وقدرة المقاومة الإيرانية على تحشيد التأييد الدولي قلل من إمكانية استخدام الإعدام من قبل النظام الحاكم الذي أعدم قبل 33 عاماً آلاف الأشخاص في السجون دون محاكمة في غضون أسابيع قليلة، ولم يتردد في الإعلان عن استخدام عقوبة الإعدام دون أي إجراء قانوني واضح، لكن هذه المرة يجد نفسه مقيداً بشدة في استخدام هذا السلاح.
تحدث أكبر هاشمي رفسنجاني، أحد مؤسسي الجمهورية الإسلامية، عن مذبحة عام 1988 التي راح ضحيتها آلاف السجناء السياسيين، لم يتردد قادة النظام الآخرون في التباهي بجرائمهم من أجل ترهيب الناس، والآن، على الملالي أن يدفعوا ثمناً سياسياً باهظاً عن إعدام كل متظاهر.
ومن أجل رفع الروح المعنوية لقواتها واستعراض عضلاتها أمام المحتجين، تحتاج الجمهورية الإسلامية إلى جلاد على الأقل مثل الضحاك الذي يُعدم شابّين كل يوم، فقد أصدر الملالي أحكاماً بالإعدام بحق 30 متظاهراً على الأقل، وحكم على 111 شخصاً بتهمة (محاربة الله ورسوله)، لأنه وفقاً لفلسفة الملالي مَن يحاربهم سيُعتبر شرعاً يحارب الله ورسوله، ورغم ذلك، لديهم مشاكل داخلية (داخل حكومتهم) حتى في تنفيذ هذه الإعدامات.
في يوم السبت، 7 كانون الثاني/ يناير، بينما كان الملالي يستعدون لإعدام اثنين من المتظاهرين في سجن جوهردشت بمدینة كرج، واجهوا تجمعاً غير مسبوق للمتظاهرين حول السجن، رددوا هتافات ضد النظام الحاكم وممارساته الإجرامية، مثل: "هذه هي الرسالة الأخيرة، إذا نفذت عملية الإعدام سننتفض" ، فاضطر الملالي للانسحاب ووقف تنفيذ الحكم مؤقتاً.
إن حصانة الملالي غير المعلنة من عواقب انتهاكات حقوق الإنسان وأعمال القتل الوحشي تتلاشى تدريجياً، إذ هاجم ستة من المقررين الخاصين للأمم المتحدة أساس هذه الحصانة في رسالة نشرتها الأمم المتحدة قبل عامين، وكتبوا: "في ديسمبر / كانون الأول 1988، أعربت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن قلقها البالغ إزاء موجة من الإعدامات خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر 1988 استهدفت سجناء بسبب معتقداتهم السياسية، ومع ذلك، لم يتم إحالة الوضع إلى مجلس الأمن، ولم تتابع الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار، ولم تتخذ لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أي إجراء، وكان لعدم عمل هذه المؤسسات آثار مدمرة على الناجين والأسر، وكذلك على الوضع العام لحقوق الإنسان في إيران، وأدى إلى انهيار حقوق الانسان في إيران بشكل مستمر حتى الآن".
ويبدو أن الانتفاضة الإيرانية أنهت هذه الحصانة، وبالطبع، لم يكن للنظام أدنى دور في هذا التغيير.
الآن، يحتاج الملالي إلى ترهيب الناس واستخدام وسائل الإعدام مائة مرة أكثر مما كان عليه الحال في عام 1988، ما تغير هو موقف المجتمع الدولي بسبب تضحيات النساء والشباب الإيرانيين الذين يواصلون التضحية في الشوارع.
إنهم بحاجة إلى دعم أقوى من العالم، فالمجتمع الدولي يجب أن يكون له دور مهم وحاسم في حماية الشعب الإيراني في انتفاضته من أجل الحرية، يجب ألا يتوقف الضغط على الملالي من أجل منع تنفيذ عمليات الإعدام، بل يجب أن يتزايد الضغط، وأن يشترط المجتمع الدولي وقف الإعدامات كشرط أساسي للموافقة على إقامة أي علاقة مع النظام.