برلين: يسعى المستشار الألماني أولاف شولتس خلال زيارته الصين هذا الأسبوع، الى الحفاظ على توازن دقيق بين تطوير علاقة اقتصادية محورية، وعدم الإفراط في الاعتماد على بلد يعزز فيه الرئيس شي جينبينغ إحكام قبضته على السلطة.
وسيصبح شولتس الجمعة، أول زعيم من الاتحاد الأوروبي يزور ثاني أكبر اقتصاد في العالم، منذ العام 2019. وستتخلل الزيارة التي يرافقه فيها وفد من المسؤولين في قطاع الأعمال، اجتماعات مع شي جينبينغ ورئيس وزرائه لي كيانغ.
وأثارت خطوة المستشار جدلاً في برلين، اذ تأتي في وقت تعاني بلاده من تداعيات اعتمادها المفرط على واردات الطاقة الروسية، وتبعات ذلك بعد قرار موسكو تقنين صادراتها من الغاز ردا على العقوبات الغربية بسبب غزوها لأوكرانيا.
وأثارت هذه الأزمة تساؤلات عما إذا كان الاعتماد الكبير للصناعة الألمانية على الصين، يعرّض برلين لمخاطر مستقبلية.
وألقى تصاعد التوتر بين الغرب والصين على خلفية قضايا خلافية مثل تايوان وحقوق الانسان، بظلاله على المناخ الجيوسياسي العالمي المتشنّج أساساً بسبب أوكرانيا، ودفع عدداً من الشخصيات الأساسية المتحالفة مع شولتس، الى طرح مخاوف علنية بشأن العلاقة مع بكين.
حساسية العلاقة
وأعربت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك عن قلقها من تكرار أخطاء العلاقة مع موسكو، في التعامل مع بكين.
وقالت لشبكة "ايه آر دي" الألمانية في نهاية الأسبوع "علينا أن نتجنّب حصول ذلك".
وأضافت الوزيرة المنتمية الى حزب الخضر، أحد الأطراف الثلاثة المشكّلة للتحالف الحاكم في ألمانيا، "أعتقد أنه من بالغ الأهمية ألا نجعل أنفسنا مجدداً شديدي الاعتماد على بلد لا يتشارك قيمنا".
وبرزت حساسية العلاقة مع الصين الشهر الماضي، مع اندلاع خلاف بشأن السماح لشركة "كوسكو" الصينية العملاقة في مجال الشحن البحري، بالاستحواذ على حصة في ميناء هامبورغ الألماني، وهو من الأهم في أوروبا.
وحسم شولتس الجدل في نهاية المطاف، وأجاز الصفقة لكن على حصّة مخفّضة مقارنة بما كانت عليه أساساً، على رغم مطالبة ستة من وزرائه برفضها بالكامل على خلفية مخاوف أمنية.
ويرى بعض أطراف الحكومة أن تعزيز العلاقة الاقتصادية مع الصين هو خطوة بالغة الأهمية، خصوصاً في وقت تعاني برلين من تبعات أزمة الطاقة عالميًا ويتجه اقتصادها، الأكبر في أوروبا، نحو الركود.
"التنويع وتقليل المخاطر"
وقبيل الزيارة، شدد المتحدث باسم شولتس على أن المستشار الألماني لا يؤيد الانفصال في العلاقة مع الصين، لكنه ينادي أيضاً بـ "التنويع وتقليل المخاطر" الى حدها الأدنى.
والى أن يتم ذلك، يبقى التداخل بين الاقتصادين الألماني والصيني متشعباً.
فالصين هي سوق أساسية للمنتجات الألمانية، خصوصاً لعمالقة صناعة السيارات مثل "مرسيدس بنز" و"بي أم دبليو" و"فولكسفاغن"، وهي علاقة ترتبط عضوياً بالكثير من الوظائف في أكبر اقتصاد أوروبي.
وبدأت المخاوف من تلبّد الغيوم في مناخ العلاقة بين برلين وبكين، تنعكس لدى المستثمرين. وحضّ رئيس شركة "بي أيه أس أف" العملاقة في مجال الكيميائيات مارتن برودلمولر الذي سيرافق شولتس، على وقف "تقريع الصين".
على رغم ذلك، أثار توقيت الزيارة علامات استفهام، اذ يأتي بعيد فترة وجيزة من ضمان شي جينبينغ ولاية ثالثة تاريخية في الأمانة العامة للحزب الشيوعي الصيني، وتالياً على رأس البلاد.
ويقول الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية هريبرت ديتر لوكالة فرانس برس إن "التوقيت مؤسف للغاية".
ويضيف أن الرئيس الصيني "أعيدت تسميته لخمسة أعوام إضافية، وبالطبع السياسيون الصينيون يرون زيارة المستشار الألماني كتأكيد لسياساتهم".
العلاقات مع الصين
وشدد المتحدث باسم شولتس على أن الزيارة ستشمل "كل مجالات علاقتنا مع الصين"، بما يشمل التوترات في شرق آسيا وقضايا حقوق الانسان، مشيراً الى أن الحرب في أوكرانيا ستكون أيضا على جدول الأعمال.
وفي حين دانت ألمانيا بشدة الهجوم الروسي، امتنعت بكين عن إدانة ما قامت به موسكو، وألقت باللائمة في اندلاع النزاع على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.
وأكد المتحدث أن المستشار الألماني على تواصل مع الشركاء الأوروبيين والولايات المتحدة بشأن زيارته الى الصين.
على رغم ذلك، يرى البعض في هذه الزيارة محاولة من ألمانيا لضمان مصالحها بصرف النظر عن اعتبارات أخرى.
وسبق لبرلين أن أثارت امتعاض الأعضاء الآخرين في الاتحاد الأوروبي بعدما كشفت عن خطة بقيمة 200 مليار يورو لحماية المستهلكين والمؤسسات التجارية من تبعات ارتفاع أسعار موارد الطاقة، بدلا من العمل بالشراكة مع التكتل القاري.
ويرى ديتر أن "الحلفاء الغربيين، بالطبع في باريس لكن في واشنطن أكثر من أي مكان آخر، ينتقدون هذه الزيارة (...) لكن ألمانيا تتبع مسارها الخاص".