صاحب هذا الاسم صار موضوعاً للجدل في أمريكا.. هو جون ميرشيمر، واحد من أبرز خبراء السياسة الخارجية، والذي ذاع صيته لتبنيه وجهات نظر توصف بالموضوعية والواقعية، دون أن تكون صدى للرأي الرسمي لحكومته.
وحين أعلن تشخيصه لأزمة حرب أوكرانيا، فإنه أوجد اهتماماً قوياً لدى المجتمع الأمريكي؛ حيث قال إن دول الغرب، وبصفة خاصة الولايات المتحدة، هي المسؤولة بشكل أساسي عن كارثة هذه الحرب، وإننا لن نجد أحداً من صناع القرار في الولايات المتحدة، وفي مؤسسة السياسة الخارجية، مستعد للاعتراف بتحمل هذه المسؤولية.
وأصبح من لا يعرفون ميرشيمر، جيداً يسعون لمعرفة انتمائه الفكري والسياسي.
فهو من أبرز خبراء ما يسمى في أمريكا بالمدرسة الواقعية، والتي تنتمي إليها شخصيات مرموقة مثل الرئيس جورج بوش الأب، وبيل كلينتون وهنري كيسنجر، وهي المدرسة التي تنادي بالسيادة النسبية في العالم عن طريق القوة الناعمة، وتبادلية المصالح. أما المدرسة الثانية والتي تعرف بالمدرسة المثالية، فتضم أصحاب التوجهات المتطرفة التي تنادي بالسيطرة الأمريكية على العالم ولو باستخدام القوة. وأبرز أعضائها هم المحافظون الجدد.
ومن منطلق التوجهات الفكرية لميرشيمر، فإنه كان قد رفض غزو أمريكا للعراق عام 2003، وخطة مشروع الشرق الأوسط الكبير.
ثم جاءت الأزمة بين أمريكا وروسيا حول أوكرانيا، ليعلن ميرشيمر، أن تمدد حلف الناتو شرقاً، وإقامة علاقات خاصة ومتينة مع أوكرانيا يزيد من احتمالات اشتعال حرب.
ورداً على انتقادات كثيرين في دول الغرب لبوتين، فإن ميرشيمر، يتمسك برأيه في أن الولايات المتحدة هي البادئة باستفزازه. وأن البداية كانت في إبريل 2008؛ حيث أعلنت قمة حلف الناتو في بوخارست، بياناً يقرر أن أوكرانيا وجورجيا ستنضمان للحلف.
ويقدم ميرشيمر، تشبيهاً لذلك بقوله: عندما تصبح أوكرانيا وهي على هذه الصورة مرابطة عند الباب الخلفي لقوة كبرى مثل روسيا، فعليك أن تتوقع ما الذي ستفكر فيه روسيا.
لقد كنا نقدم على هذه التصرفات في الوقت الذي نلوم فيه بوتين، بأنه ينوي العدوان على أوروبا الشرقية وأن ما يهمه هو إقامة دولة روسيا العظمى، وتلك رواية اخترعناها نحن حتى يمكننا أن نلومه، وأن نحمله مسؤولية تلك الكارثة.
ويضيف ميرشيمر: إن روسيا مستعدة للتعايش مع أوكرانيا كدولة محايدة. وليست مهتمة بالسيطرة عليها.
هذه الآراء لميرشيمر المخالفة لوجهة النظر الأمريكية الرسمية، والتي يؤيده فيها كثيرون من المؤرخين والخبراء المختصين بالسياسة الخارجية في الولايات المتحدة، وسعت من محاولة رؤية ميرشيمر عن قرب، وبشكل يجيب عن السؤال: من هو؟
وللتعريف به، ففي بداية مشواره المهني، كان ضابطاً في الجيش الأمريكي، وحصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة كاليفورنيا. وعين أستاذاً بجامعة شيكاغو – ثم سعت إليه الجامعات الكبرى في الولايات المتحدة، للتدريس فيها.
في هذا الوقت زاد تأثره بمدرسة الواقعية الجديدة في العلاقات الدولية، التي انضم إليها ثم أصبح من أبرز رموزها.
في رأيه أن الحرب هي وسيلة مشروعة، لكن بشرط أن يكون هناك ما يبررها، مشيراً إلى أن حرب العراق – عام 2003 – مثلاً لم يكن هناك أي مبرر لها. وهو أيضاً من أنصار استراتيجية التوازن العالمي بين الدول، وليس الهيمنة على العالم من جانب قوة كبرى وحيدة. وإن الولايات المتحدة كقوة عظمى – لا يجب عليها أن تفرض إرادتها على جميع الدول، وفى جميع القارات. لكن إذا ما كان لها التدخل في أحداث خارجية، فيكون ذلك في حالة ما إذا وجدت أن هناك قوة كبرى أخرى تهدد بفرض إرادتها على منطقة مهمة استراتيجياً.
لعل هناك آخرون من النخبة السياسية، تقترب رؤيتهم بدرجة أو أخرى من رؤية ميرشيمر، لكن تشخيصه للأزمة بين روسيا وأمريكا، دون أي تحركات عملية من الغرب لإنهائها، قد جذب إليه أنظار الكثيرين من الأمريكيين، خاصة أنه أحد أبرز علماء السياسة، مختصاً بالعلاقات الدولية، واستقلالية رؤيته، بعيداً عن التأثر بأية توجهات، سواء كانت تتصل بالموقف الرسمي لدولته، أو بأي أفكار أيديولوجية مهما كانت.