إيلاف: ربما لم يجرؤ مسؤول فلسطيني، في أراضي 1948 أو الضفة والقطاع، أو في دول الشتات، أن تحدث من قبل عن المواطنة في دولة إسرائيل.
ففي زحمة العناوين الفضفاضة، والشعارات المكررة، بقي حق العودة، ثم اتفاقيات أوسلو، ثم صفقة القرن، وحل الدولتين، في صدارة ما يُحكى حين يكون الوضع هادئًا؛ والانتفاضة، والحروب على غزة، والجهاد والصواريخ وصدامات القدس والأقصى، حين يكون الوضع متأزمًا... إلى أن وقف منصور عباس، رئيس القائمة العربية الموحدة، ليعلن على الملأ أنه يريد أن يكون شريكاً في صنع ائتلاف حكومي إسرائيلي، ما زال صامدًا إلى اليوم، على الرغم من الاهتزازات في أسسه السياسية.
في منزله بالمغار الجليلية، جلس منصور وعن يمينه مكتبته التي وصفها بأن فيها "كافة التجارب الإسلامية المرجعية قديمًا وحديثًا"، ليعترف في مقابلة مصورة مع "إيلاف" صراحة بالاستفادة من تجربة الاخوان المسلمين وتجربة الصوفية وتجربة التوجهات الإسلامية المختلفة، سياسية وغير سياسية، في معرض تأكيده أن الحركة الإسلامية التي ينتمي إليها لا تتصل بالإخوان المسلمين بأي صلة. يقول عن الحركة الإسلامية: "لا يوجد لها أي ارتباط تنظيمي ولا قيادي مع أي حركة إسلامية، إخوان مسلمين أو غير إخوان مسلمين، خارج حدود 1948".
ما يهمه اليوم ليس الدخول في سجالات بشأن الموقف من القضية الفلسطينية، وهو عنده محسوم، أو من الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الآيل للسقوط، فالقائمة العربية لن تُسقط هذا الإئتلاف، ولن تكون السبب في اسقاطها، إنما همه الأول والأخير مصلحة الشعب الفلسطيني في الداخل، وتحصيل أكثر ما يمكن من إنجازات للداخل العربي. من هنا، يرفع عباس شعار المواطنة معترفًا بالمسلّمات العامة: إنه عربي يحمل الجنسية الإسرائيلية ضمن أراضي 1948، أي هو مواطن إسرائيلي اليوم، وعلى الحكومة الإسرائيلية التي ساهم في تأليفها أن تفي بما وعدت به من قوانين وتشريعات ترد للشعب الفسطيني ما هو حق له، بفعل اتفاقات سبقت تشكيل الحكومة.
يروي عباس أن أحدهم وصفه بـ "المنتحر" حين عرض أن يؤدي دوره هذا في إنشاء الائتلاف الحكومي. يقول: "ذهبنا للانتخابات الأخيرة وقلنا للناس نعم نحن ذاهبون باتجاه شراكة سياسية ولم نشترط أن يكون ذلك مع يسار أو مع كذا، إنما في الإطار المفتوح، وشعبنا، أي الناخب العربي، أعطانا هذا التوكيل، ولهذا عندما يأتي فلان أو فلان يريد أن يحاججني، أقول له لحظة، أنا لم اذهب إلى الانتخابات بأجندة معينة بتوجه معين وبعد الانتخابات غيرت توجهي، ذهبت بصدق إلى المجتمع العربي وقلت له أنا مقتنع بأن البرنامج السياسي الصحيح الذي يمكن أن يخدم مجتمعنا وقضيتنا الفلسطينية لاحقًا هو ما أطرحه عليكم الآن في ما يسمى اليوم النهج الجديد، والمجتمع العربي قبل بهذا الأمر وأعطانا صوته لندخل الملعب السياسي".
بهذا يرد على من يرمونه بالخيانة، وما أكثرهم. ويزيد: "حصلنا خلال أشهر من المشاركة في الائتلاف على إنجازات ضخمة"، رافضًا التكفير والتخوين، وهما ما يدمر هذه الأمة، مضيفًا في حديثه لـ "إيلاف" أن القيادات الفلسطينية تجاهلت عرب الداخل، "ونحن نريد الاهتمام بأمورنا والحفاظ على هويتنا داخل إسرائيل، وعرب إسرائيل يحملون الهوية الإسرائيلية ولديهم قضايا خاصة وحقوق لا يمكن الحصول عليها بالكلام والانتقاد والمعارضة والصراخ، إنما بالمشاركة والدخول في الملعب السياسي ومحاورة الجميع من دون استثناء".
ما أراد عباس الخوض في شؤون الدول الأخرى، لأنه ببساطة يرفض أن تدخل خارجي في شؤون الفلسطينيين، وخصوصًا فلسطينيي الداخل، "ونحن لا نريد أحداً أن يتحمل مسؤوليتنا، فقرارنا محلي بحت".
إنه كلام مسؤول، ربما يُسمع أول مرة من عربي إسلامي صنع حكومة إسرائيلية، في وقت عجز اليهود أنفسهم عن ذلك.