يمكن للبرد عند معبر ميديكا الحدودي أن يصبح قارساً بكل ما للكلمة من معنى. ومع ذلك يصل المتطوعون هناك ليلهم بنهارهم لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين لحظة دخولهم إلى بولندا.
قبل أسابيع من بدء الحرب في أوكرانيا، كان رضا في رحلة سياحية في شمال شرق أوروبا، لكن البرد هناك كان يفوق قدرة الشاب المصري على التحمل.
ما أن عاد إلى إيطاليا، حيث يقيم منذ عدة أعوام، حتى بدأ الغزو الروسي ورافقه تدفق كبير للاجئين إلى بولندا.
سمع رضا الأخبار عن المعاملة المختلفة التي يتلقاها اللاجئون الأوكرانيون وعن معاناة بعض الطلاب العرب بعد مغادرتهم أوكرانيا، ولأنه اختبر قساوة البرد أراد تقديم المساعدة لأولئك الذين باتوا فجأة من دون مأوى في بلد جديد لا يعرفون فيه أي أحد.
سافر رضا إلى بولندا حيث تمتلك صديقته نزلاً سياحياً، واستأجر عدة غرف فيه، وبدأ باستقبال الطلاب العرب، يطهو لهم الطعام ويساعدهم على العودة إلى بلدهم.
اعتقد الشاب المصري ان مهمته لن تتجاوز عشرة أيام، لكن عدد الأشخاص الذين يحتاجون للمساعدة كان أكبر بكثير مما توقعه، وقدرته المالية على المساعدة شارفت على الانتهاء.
من مبادرة فردية إلى عمل منظم
انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عدة منشورات لأشخاص ساعدهم رضا، فتواصل معه الهلال الأحمر المصري ليبدأ التعاون بينهما: "الهلال المصري أعرب عن رغبته في المساعدة عند الحدود وعرض علي التطوع معه. الخطوة كانت جيدة لأن العمل بات منظماً بشكل أكبر، وانضم بعد ذلك متطوعون من جنسيات مختلفة".
الخدمات التي يقدمها رضا للعرب تبدأ من الإسعافات الأولية وتمتد إلى تأمين مكان إقامة في بولندا لتصل إلى مساعدتهم على مغادرتها نحو بلادهم الأصلية.
تعاون المتطوع المصري مع سفارتي بلاده في بولندا وأوكرانيا وساهم في إجلاء مئات المصريين مع عائلاتهم.
خلال تجربته عند الحدود مرت عليه عدة قصص مؤثرة: "انتشرت معلومات على مواقع التواصل الاجتماعي حول موت شخص في أوكرانيا وكانت عائلته حزينة جداً. الهلال الأحمر المصري تواصل مع المسؤولين في أوكرانيا واكتشفنا لاحقاً أنه على قيد الحياة ودخلت أنا شخصياً إلى الحدود الأوكرانية لاستقباله ثم ساعدناه على السفر والعودة إلى مصر".
"لم أستطع شرب الماء ليلاً بسبب تجمده"
التحدي الأكبر لرضا خلال وجوده عند المعبر هو الطقس البارد. عندما وصل في البداية لم يكن هناك أي أماكن إقامة قريبة من منطقة الحدود بسبب الأعداد الكبيرة للأشخاص الذين غادروا أوكرانيا، فاضطر للنوم داخل خيمة في منطقة حدودية مفتوحة.
يقول: "درجات الحرارة كانت تحت الصفر، وعلى الرغم من استخدامي لمدفأتين لكن لم يكن لهما أي تأثير، كان من المستحيل بالنسبة لي شرب الماء ليلا بسبب تجمده".
يقضي رضا يومه عند معبر ميديكا، وبابتسامة عريضة يستقبل اللاجئين ويبادر إلى تقديم المساعدة لأي شخص يحتاجها، وليس للعرب فقط. لكن وجوده هناك مع علم الهلال الأحمر المصري يشكل مفاجأة سارة للعرب الذين يصلون بولندا من دون معرفة سابقة بوجوده. يقول: "تبدو عليهم المفاجأة مثل شخص تائه وجد من ينقذه".