إيلاف من بيروت: كان كيفن دوز مصورًا أميركيًا تم احتجازه في سجن سوري في عام 2012. وتصدر العناوين بعد 3 سنوات ونصف عندما تم إطلاق سراحه بمساعدة روسيا. لم يتحدث دوز علنًا عن محنته، فهي في الواقع قصة رجلين التقيا في سجن قاسٍ في العاصمة السورية دمشق، وقصة اتفاق أبرماه.
لم يعترف النظام السوري باحتجاز دوز حتى أعلن سجين آخر، وهو جراح العظام البريطاني، أن أميركيًا محتجز في الظلام. يعتقد دوز أن الطبيب البريطاني قد قُتل بسبب هذا الكلام. الآن، بعد خمس سنوات من إطلاق سراحه، يتخذ دوز إجراءات قانونية ضد النظام في سوريا بسبب سجنه وسوء معاملته.
لفتة دمشق!
في ربيع 2016، شكرت وزارة الخارجية الأميركية روسيا علنًا على مساعدتها في إطلاق سراح دوز. وبخت الحكومة الروسية - الداعمة لنظام الأسد - دوز في بيان لها "لدخوله سوريا بشكل غير قانوني" وحذرته من العودة: "نأمل ألا يضع نفسه في وضع مماثل مرة أخرى وأن تقدر واشنطن لفتة دمشق".
في ذلك الوقت، أثار إطلاق سراحه غير المتوقع الأمل لمواطن أميركي آخر "اختفى" في سوريا: أوستن تايس، الصحفي المستقل الذي خدم سابقًا في مشاة البحرية الأميركية. يشير موقع مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى أن تايس "اختطف في دمشق" في أغسطس 2012. ولم تعترف الحكومة السورية أبدًا باحتجازه. يعتقد المسؤولون الأميركيون أن الحكومة أو مجموعة تابعة لها ما زالت تحتجزه.
بعد الإفراج عن دوز في أبريل 2016، لم تطلق سوريا سراح سجناء أميركيين إضافيين ولا اعترفت باحتجاز أي منهم.
بلا مأوى
دوز يقول إنه كان بلا مأوى على مدى السنوات الثلاث الماضية ويعاني الآثار الجسدية والعقلية للتعذيب المروع. يضيف: "أعاني من تلف دائم في الأعصاب في قدم واحدة على الأقل وفي معصمي".
يروي قصة اتفاقه مع عباس خان، جرح العظام البريطاني المسجون آنذاك. ففي شتاء 2012، احتُجزا في ما يُعرف باسم فرع فلسطين، وهو سجن تديره الاستخبارات السورية. يقول دوز إن زنازينهم كانت متجاورة وتحت الأرض، ولا يوجد ضوء نهار. كان يسمع فقط معاملة خان الوحشية. يقول: "كانوا يرمونه بالماء الساخن ويضربونه".
في عام 2011، انجذب الرجلان إلى موجة الربيع العربي التي اجتاحت الشرق الأوسط. أراد خان "إحداث فرق"، كما تروي شقيقته سارة خان من منزلها في لندن. كان شقيقها، الذي كان يبلغ من العمر 30 عامًا، وأب لطفلين، قد أنهى مؤخرًا تدريبه الطبي في "كينغز كولدج" في لندن. تأثر بالأزمة الطبية للأطفال السوريين الجرحى. تروي خان: "خرج في أغسطس 2012 للعمل في المستشفيات الميدانية على الحدود التركية. كان شيئًا كان متحمسًا له. دخل سوريا في 20 نوفمبر، وتم اعتقاله في 22 نوفمبر، لكن خلال تلك الساعات الـ 48، أعتقد أنه عمل في أربعة مستشفيات ميدانية مختلفة وأجرى أكثر من 20 عملية جراحية".
من ليبيا إلى سوريا
بدأت رحلة دوز قبل عام في ليبيا: "اعتقدت أنني سأحضر مع كاميرا وأذهب إلى جميع الأماكن التي لم يزرها أحد، وفي الواقع وجدت أنني أستطيع ذلك. خرقت العديد من القواعد ولم أكن محبوبًا".
يقول أندريه ليون، المصور الصحفي البرازيلي الذي قابل دوز في ليبيا: "كان غير لائق"، مبديًا انزعاجه من أدوار دوز المتغيرة: مصور بدوام جزئي وطبيب عصامي، حتى أنه قاتل مع المتمردين بضعة أسابيع. وعندما انتقلت وسائل الإعلام الغربية من ليبيا إلى سوريا، انتقل معها دوز أيضًا. في أكتوبر 2012، سجل دخوله إلى فندق في بلدة حدودية مع تركيا، ثم عبر إلى شمال غرب سوريا حاملاً خوذة وسترة واقية من الرصاص وإمدادات طبية وأمل لا أساس له. وبعد فترة وجيزة، قبض عليه موالون للنظام السوري عند نقطة تفتيش، ونقلوه مقيداً إلى سجن في دمشق، لتبدأ رحلة الاستجواب القاسية.
عقد السجينان اليائسان، اللذان لا يستطيعان سوى الهمس في الظلام، اتفاقًا: من يخرج أولاً يخبر العالم عن الآخر. يقول دوز: "كان السوريون يخفون حقيقة أنهم كانوا يحتجزونني".
وفى بوعده
حصل خان على الفرصة الأولى ليخبر العالم الخارجي عن كيفن دوز. كانت عائلة الطبيب مصممة على العثور على خان. تواصلوا مع سوريين موالين للنظام على فيسبوك وعلموا أن الطبيب على قيد الحياة وهو مسجون في دمشق، حتى أن والدته فاطمة خان ذهبت إلى سوريا لرؤيته في يوليو 2013، وقدمت نفسها للمسؤولين السوريين، فسمحوا لها بالتحدث إلى ابنها في السجن وحتى بحضور جلسات المحاكمة. تقول سارة خان: "كان لدينا إشارات تقول إنهم سيسمحون له بالعودة إلى المنزل". كما تواصلت عائلة خان مع نواب ومسؤولين بريطانيين يُعتقد أن لهم صلات بنظام الأسد، كما تقول الشقيقة. لقد كانت حملة عامة للغاية لإنقاذ ناشط إنساني.
وفى عباس خان بوعده. أخبر والدته عن الأسير الأميركي في الزنزانة المجاورة، وحثها على تنبيه المسؤولين الأميركيين، بحسب سارة خان. تقول: "تلقينا مكالمة من مكتب التحقيقات الفيدرالي بعد ذلك بوقت قصير وأخبرناهم بما نعرفه". فجأة، تحسنت معاملة دوز في السجن، وتوقفت جلسات التعذيب اليومية. يروي: "وضعوني في زنزانة مضاءة على عكس زنزانة القمل السوداء التي كنت محتجزًا فيها حتى ذلك الحين. أنا مدين لعباس بالكثير".
لكن...!
ساءت معاملة خان. في ديسمبر 2013، دعيت والدته إلى دمشق، كما تروي سارة خان: "قالت أمي إنها تلقت مكالمة تقول، 'تعالي إلى هذا المبنى بالذات. لقد أطلق سراح ابنك'". اتبعت سارة خطوات والدتها على هاتف محمول. خرج لها رجل في معطف أبيض وقال لها: "أريد أن أقدم لك التعازي، قتل ابنك نفسه هذا الصباح". فدخلت في حالة من الصدمة.
زعم مسؤولون حكوميون أن خان كان مكتئباً وشنق نفسه، وهذا أمر لا معنى له بالنسبة إلى دوز. يقول: "في هذه الزنازين، لم يكن هناك أي طريقة لشنق نفسك، ولا شيء لتشنق نفسك به. ما كان لديه سبب للانتحار. كان ذاهبًا إلى المنزل".
تم إرسال جثة خان إلى لبنان ثم شُحنت في النهاية إلى وطنه بريطانيا. في أكتوبر 2014، عقب تحقيق بريطاني رسمي، وفقًا لتقارير إخبارية بريطانية، قالت هيئة محلفين إنه لا يمكن التأكد من السبب الطبي للوفاة، لكنها خلصت إلى أن "الدكتور خان قُتل عمداً من دون أي مبرر قانوني".
دوز يقاضي سوريا
في 15 أكتوبر 2021، قدم دوز دعوى ضد الحكومة السورية في المحكمة الجزئية الأميركية في واشنطن العاصمة، ويسعى إلى الحصول على تعويضات عن التعذيب والسجن الباطل وغيرها من الانتهاكات على أيدي المسؤولين السوريين، وفقًا لإيداع المحكمة.
لم ترد الحكومة السورية على الدعوى ولا على طلب التعليق. مع ذلك، حتى لو لم يكن هناك رد، فإن دوز مؤهل للحصول على تعويض من صندوق أميركي تم إنشاؤه في عام 2015.
وتخطط عائلة خان لاتخاذ إجراءات قانونية ضد النظام السوري أيضًا. سيكون دوز شاهدًا رئيسيًا. تقول سارة خان: "شهادة كيفن هي الوحيدة التي لدينا في ما يتعلق برؤيته أو سماعه في الواقع أثناء استجوابه".
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "أن بي آر" الأميركي.