روسيا فشلت في أوكرانيا، هكذا تتحدث الدول الغربية، ساسة وعسكر واستخبارات وإعلام، ولكن هل هذه حقيقة أم أنها إحدى تجليات الصراع الدولي و«الحرب الباردة» الجديدة؟ مع استحضار أن كل ما يُقال عن فشل روسيا في أوكرانيا يمكن قول مثله عن فشل أميركا في فيتنام، مع فارقٍ، أن الفشل الروسي يبقى في إطار التحليل أو التضليل وليس عليه مؤشرات واقعية بينما الفشل الأميركي أصبح حقيقة تاريخية مسلمة.
تعودت الدول العربية وشعوبها بعد حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت من الغزو الغاشم لصدام حسين أن أميركا والدول الغربية حليفٌ استراتيجي، وهي كذلك، من قبل ومن بعد، وقد ظلّت الأزمات الكبرى في العالم تحدث في منطقة الشرق الأوسط التي تقع الدول العربية في قلبها، وكانت بوصلة التوجهات السياسية والإعلامية واضحةً في الوقوف مع الغرب، ولكن الذي جرى لأكثر من عقدٍ من الزمان يتمثل في تغيرات جذرية جرت من إدارتين أميركيتين خلطت الأوراق وأجبرت الجميع على مراجعة المواقف والسياسات.
في الحرب الروسية الأوكرانية، اختلفت الحسابات، فهي أولاً حربٌ بعيدةٌ عن الشرق الأوسط، ويمكن لدوله الفاعلة والمؤثرة اتخاذ مواقف حيادية منها، وهو ما قامت به بالفعل دول مؤثرة مثل الإمارات والسعودية، وهما تعرضان الوساطة وتؤكدان على الحلول السياسية للصراعات الدولية كما هو موقفهما الثابت في النزاعات الدولية، والموقف من اليمن خير مثالٍ فعلى الرغم من أنهما دولتان فاعلتان هناك إلا أنهما تؤكدان دائماً على أهمية الحل السياسي ومن آخرها المبادرة الخليجية الجديدة التي دعا لها مجلس التعاون الخليجي. وهي -ثانياً- حربٌ تجري وهناك تحولات في سياسات الدول الغربية تجاه المنطقة وقضاياها وأطراف الصراع فيها مع إدارة لا تبدو ملتزمة تجاه أمن حلفائها التقليديين وليست معنية بمصالحهم في المنطقة وبعض سياساتها لا تخدم مسيرة التحالف القديمة.
مع الانتشار الواسع للسوشيال ميديا أصبح كثيرون قادرون على اكتشاف تزوير الصور والمقاطع المصورة في أوكرانيا، وصار بعضهم يستطيع معرفة الزمان والمكان الذي حدثت فيه الأحداث فعلياً، وأصبح قليلون من الناس يستوعبون التضليل الذي يجري لتفسير الصور والمقاطع المصورة ضمن «البروبوغاندا» التي تستخدم بكثافة وعجلة في هذه الحرب.
لفهم مبسط لما تعنيه «البروبوغاندا» والتضليل الإعلامي يمكن مشاهدة فيلم «wag the dog» أو «ذيل الكلب» فهو يشرح جزءاً من صناعة التضليل الإعلامي في السياسة، وتبقى الأسئلة المباشرة والمستقلة والواقعية هي الطريق الأصوب لفهم ما يجري، من مثل، من اقترب للآخر أكثر وشكل تهديداً، روسيا أم «حلف الناتو»؟ نائب وزير الخارجية الصيني قال إنه «مع توسع الناتو يمكن لصاروخ أن يضرب الكرملين خلال 7 دقائق» وهذا صحيح، ولإيضاح الصورة فلنطرح سؤالاً افتراضياً مفاده، هل يمكن لتجنيب أوكرانيا وشعبها ويلات الحرب السماح لروسيا بنصب صواريخ في كوبا أو فنزويلا لإظهار حسن النوايا وأن الاقتراب العسكري لا يعني شيئاً مهماً ولا تهديداً مباشراً؟
هذا سؤال افتراضي وليس واقعياً وإنما يمكن طرحه لرصد المفارقة فقط وأزمة الصواريخ السوفييتية في كوبا مطلع الستينيات مجرد مثال. من أساليب الدعاية الحربية وضع أهداف للعدو ثم نفي قدرته على تحقيقها، فنسمع ونقرأ الكثير عن «فشل» روسيا في تحقيق أهدافها والواقع على الأرض أنها تتقدم عسكرياً بشكل قوي والشعب الأوكراني يدفع ثمن جعله ساحة لتصفية حسابات «الحرب الباردة» الجديدة.
أخيراً، فهذه الأسئلة والتصورات تمنح مساحة للتفكير بعقلانية وواقعية وقراءة خلفيات المشاهد الساخنة ورصد الصراعات الدولية سياسياً وإعلامياً، والمتابع العربي تهمه مصالح دوله أولاً وقبل كل شيء دون الانسياق خلف أي طرف.