بيروت: شكّل الهجوم الأخير لتنظيم الدولة الإسلامية على سجن في مدينة الحسكة في شمال شرق سوريا العملية العسكرية الأكبر لمقاتليه منذ إسقاط "دولة الخلافة" التي أقامها، وأثار مخاوف من بروزه مجدداً واستعادته قدراته وحضوره الميداني.
ويطرح استمرار المعارك منذ الخميس ونجاح عدد من السجناء في الفرار تساؤلات عما إذا كان هجوم التنظيم على سجن غويران الخاضع لسلطة الإدارة الذاتية الكردية يمثّل نقطة تحوّل تؤشّر إلى عودة التنظيم إلى سابق عهده.
تبنّى التنظيم المتطرف الهجوم عبر وكالة "أعماق"، ذراعه الدعائية، على تطبيق تلغرام، واصفاً إياه بأنه "واسع ومنسّق"، شارحاً كيف "بدأ (مساء الخميس) بانطلاق استشهاديين اثنين (...) بشاحنتين مفخختين" فجراهما "عند بوابة السجن وأسواره".
ونشرت الوكالة أن "مفارز الانغماسيين انطلقت فور وقوع التفجيرين (...) على أربعة محاور"، فهاجمت أهدافاً عدة بينها أبراج السجن ومديرية المحروقات الحكومية القريبة منه ومقر فوج قريب تابع للقوات الكردية.
وتزامنت "تحركات داخل السجن"، وفق المصدر ذاته، مع "الاشتباكات العنيفة" على أسواره وفي محيطه، "تكللت بالسيطرة على مخزن سلاح وقتل وأسر العديد من حراس وأفراد السجن، ومن ثم اقتحام المقاتلين للسجن بعد هدم وإحراق أجزاء منه".
وأكد التنظيم أن 800 سجين "كسروا القيد خلال الهجوم"، من دون ان يتسنى التحقّق من صحّة الرقم من مصادر أخرى.
وشارك أكثر من مئة عنصر من التنظيم، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، في الهجوم الذي أدى إلى اندلاع اشتباكات لا تزال متواصلة وإن تراجعت حدتها.
وقُتل أكثر من 154 شخصاً في الاشتباكات، معظمهم من مقاتلي التنظيم، وبينهم أيضاً العشرات من القوات الكردية، بحسب المرصد الذي يستقي معلوماته من شبكة مصادر واسعة داخل سوريا. بينما قالت الأمم المتحدة إن المعارك تسببت بنزوح قرابة 45 ألف شخص.
وواصلت قوات سوريا الديموقراطية التي يقودها الأكراد وتدعمها قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، الإثنين عملياتها الهادفة إلى استعادة السيطرة الكاملة على السجن.
ووصف الخبير في شؤون التنظيم أيمن جواد التميمي الهجوم بأنه "العملية الأكثر اتقاناً من حيث الإعداد" لمجموعاته منذ إعلان إسقاط "دولة الخلافة" التي أقامها قبل ثلاث سنوات، بعدما تمّ دحر آخر مقاتلي التنظيم الجهادي من بلدة الباغوز، معقله الأخير في شرق سوريا.
يمكن للتنظيم، وفق التميمي، أن "يعزّز قدراته لتنفيذ عمليات أكثر اتقاناً وأوسع نطاقاً"، بالنظر إلى عدد مقاتليه الذين تجاوزوا الطوق الأمني المفروض من القوات الكردية.
إلا أنّه أكد في الوقت ذاته أن لا مجال إطلاقاً للمقارنة بين هذه القدرات وتلك التي كان التنظيم يتمتع بها عام 2014، عندما تمكن من السيطرة على مساحات واسعة من سوريا والعراق المجاور.
وقال التميمي "ثمة طريق طويل قبل الوصول إلى درجة قريبة من هذا الوضع والسيطرة مجدداً على هذا القدر من المساحات الجغرافية".
إلاّ أن الباحث في معهد "نيولاينز" نيكولاس هيراس رأى أن الهجوم يمثّل خطوة في هذا الاتجاه، معتبراً أن التنظيم "يحتاج إلى إخراج جيشه من السجن".
وتوقع "المزيد من هذا النوع من العمليات مستقبلاً، خصوصاً أن قوات سوريا الديمقراطية تفتقر إلى الإمكانات الكافية لحماية السجون التي يُعتقل فيها عناصر التنظيم".
وقدّر تقرير للأمم المتحدة العام المنصرم بنحو عشرة آلاف عدد مقاتلي التنظيم الذين لا يزالون ناشطين في العراق وسوريا، ويوجد قسم منهم في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد.
وتضم السجون الواقعة في المناطق الواسعة التي يسيطر عليها الأكراد في شمال سوريا نحو 12 ألف جهادي من نحو 50 جنسية، وفق السلطات الكردية.
أما زوجات مقاتلي التنظيم وأطفالهم فيعيشون في مخيمات مكتظة في المنطقة، يحذّر خبراء بانتظام من أنها أصبحت أكثر فأكثر بيئة حاضنة للتطرف.
لا يستبعد المؤرخ والخبير في الشؤون السورية بيتر فان أوستاين أن "يتوارى مقاتلو التنظيم الناجون مجدداً في الصحراء" بالقرب من الحدود مع العراق بعد هجوم السجن.
وقال لوكالة فرانس برس "لا أرى أي خطر فوري في أن يحتلوا مجدداً مساحات واسعة من الأراضي".
أما التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ويتولى محاربة التنظيم، فتوقع أن يؤدي هجوم سجن غويران إلى إضعاف التنظيم نظراً إلى الخسائر الكبيرة التي تكبدها.
واعتبر التحالف في بيان الأحد أن التنظيم "لا يزال يشكّل تهديدا لكن الواضح أنه لم يعد يتمتّع بقوته الغابرة".
ولاحظ الخبير في شؤون التنظيم تشارلي وينتر أن هجوم الحسكة كان "ضخماً جداً من منظور رمزي، مع أنه قد لا يؤدي إلى تأثير فوري على الأرض".
وقال وينتر الذي يرصد الحسابات الجهادية على شبكات التواصل الاجتماعي لفرانس برس إنه لم يشهد "منذ سنوات مثل هذه الحماسة لدى مناصري" الجهاديين على الإنترنت.
وأعاد "هذا النوع من القدرة على تنشيط المناصرين تحريك الكثير" من الجماعات المؤيدة للتنظيم، لا سيما في سوريا، وإن كانت الإجراءات الأمنية ستمنع معظم الجهاديين والسجناء من الخروج من محافظة الحسكة.
وشدّد وينتر على أن "ما يضفيه هذا الهجوم من رمزية يمكن أن يكون له انعكاسه الملموس الخاص"، إذ هو "استعراض لقدرته ولعزمه على التحدي".