إيلاف من دبي: أثار إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأحد، أن بلاده ستتخذ "خطوات إيجابية" مع فرنسا وإيطاليا بشأن منظومة الدفاع الصاروخي "سامب-تي" (SAMP/T)، اهتماماً بمنظومة تسعى أنقرة منذ سنوات إلى امتلاكها، أو المشاركة في إنتاجها.
يأتي ذلك في وقت لا يزال شراء تركيا منظومة الدفاع الصاروخي الروسية من طراز "إس-400"، يضغط على علاقاتها بالولايات المتحدة، واستطراداً لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، علماً أن أنقرة لم تفعّلها بعد، رغم تسلّمها في عام 2019، وفقًا لتقرير نشره موقع "الشرق" الإخباري.
وفرضت واشنطن عقوبات على أنقرة في هذا الصدد، إذ أقصتها من مشروع المقاتلة "إف-35"، ولم تستجب بعد لمطالبها بشراء مقاتلات "إف-16"، بدلاً من "إف-35"، علماً أن أردوغان ذكر أن الرئيس الأميركي جو بايدن تعهد، خلال لقائهما في روما على هامش قمة مجموعة العشرين، بالمساعدة في نيل الموافقات اللازمة لبيع أنقرة تلك المقاتلات.
موقف فرنسي "سلبي"
قال تقرير "الشرق" إن اهتمام تركيا بمنظومة "سامب-تي" ليس جديداً، إذ إن أردوغان حضّ نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال اتصال هاتفي في سبتمبر 2020، على التخلّي عن معارضته للإنتاج المشترك لهذه المنظومة.
وعلّق ماكرون، مطالباً أنقرة بأن توضح أهدافها في سوريا، قبل مناقشة الأمر، بحسب ما نقلت وكالة "بلومبرغ" عن مسؤول في قصر الإليزيه.
ويساند ماكرون اليونان وقبرص، في نزاعهما مع تركيا بشأن مصادر الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط.
ونقلت صحيفة "حرييت" التركية عن رئيس مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية، إسماعيل ديمير، قوله في يناير 2020 إن لدى باريس "موقفاً (سلبياً) بشكل عام" بشأن تزويد أنقرة بمنظومة "سامب-تي"، بعد تنفيذها "عملية نبع السلام" ضد مسلحين أكراد في شمال سوريا، في خريف 2019.
وأضاف: "إذا استمرّ هذا الموقف، فسنواصل العمل مع الشريك الآخر"، في إشارة إلى إيطاليا، مشدداً على أن موقف فرنسا "بلا معنى" ولن يعرقل خطط تركيا.
وأشارت الصحيفة إلى أن أنقرة أبرمت في 14 يوليو 2017، "صفقة مبدئية" مع كونسورتيوم "يوروسام" (Eurosam) الفرنسي الإيطالي، الذي ينتج منظومة "سامب-تي"، من أجل تطوير أنظمة الدفاع الوطني التركية.
وأضافت أن الجانبين وقّعا اتفاقاً في مطلع عام 2018، لدراسة مدّتها 18 شهراً لتحديد الاحتياجات والأولويات للإنتاج المشترك المحتمل لمنظومة مقترحة تشكّل "نسخة أكثر تطوّراً" من الأنظمة الحالية لـ "سامب-تي".
وكانت إيطاليا، الحليفة لأنقرة في الناتو، نشرت في عام 2016 منظومة "سامب-تي" في تركيا على الحدود مع سوريا، لتأمين تغطية دفاع جوي من تهديدات محتملة.
"باتريوت" وصواريخ صينية
سعت أنقرة إلى شراء "سامب-تي"، أو منظومة "باتريوت" الأميركية، بعدما ألغت في عام 2015، عقداً بقيمة 3.4 مليار دولار، وقّعته مع شركة صينية يتيح إنتاجاً مشتركاً لأنظمة الدفاع الصاروخي "إف دي-2000"، وهي النسخة المصدّرة من منظومة "إتش كيو-9" الصينية.
جاء ذلك بعدما عرقلت الولايات المتحدة، في عام 1997، سعي تركيا إلى إنتاج مشترك مع إسرائيل لمنظومة "آرو" للدفاع الجوي. ولكن في عام 2001، وافقت واشنطن على ترتيب مع أنقرة وتل أبيب، يتيح إنتاجاً مشتركاً لمنظومة مشابهة لـ "باتريوت"، ثم أوقفت تركيا المفاوضات بعد الأزمة المالية العالمية.
حماية ساحة المعركة
لكن ما هي منظومة "سامب-تي"، التي ينتجها كونسورتيوم "يوروسام" الذي أسّسته في عام 1989، مجموعتان أساسيتان في صناعة الطيران الأوروبية، هما "إم بي دي إيه للأنظمة الصاروخية" (MBDA Missile Systems) وتاليس (THALES).
وبحسب "الشرق"، تفيد "تاليس" بأن "سامب-تي"، التي يُطلِق عليها سلاح الجوّ الفرنسي تسمية "مامبا" (MAMBA)، هي "حجر الزاوية في مساهمات إيطاليا وفرنسا بقدرة الدفاع الصاروخي الباليستي التكتيكي في حلف الناتو"، مشيرة إلى أن سلاح الجوّ الفرنسي يمتلك 7 بطاريات منها، مقابل 3 للجيش الإيطالي.
وأضافت أن "سامب-تي" هو "نظام مضاد للصواريخ مصمّم لحماية ساحة المعركة والمواقع التكتيكية الحسّاسة (مثل المطارات والموانئ البحرية) من كل التهديدات المحمولة جواً، الحالية والمستقبلية، بما في ذلك صواريخ كروز، والطائرات المأهولة وغير المأهولة والصواريخ الباليستية التكتيكية في مدى 600 كيلومتر".
وتابعت أن المنظومة تشمل نظام إطلاق "يعتمد على رادار المسح الإلكتروني متعدد الوظائف" من طراز "أرابيل" (ARABEL) و"قاذفة أرضية عمودية" مثبتة على شاحنات من طرز إيطالية وفرنسية، "قادرة على إطلاق 8 صواريخ في تسلسل سريع".
هجوم متعدد الاتجاهات
أما "يوروسام" فذكر على موقعه الإلكتروني، أن "سامب-تي" تؤمّن "قدرة حقيقية ضد الصواريخ والطائرات، تغطي كل التهديدات، التي يتميّز سلوكها بالسرعة والقدرة على المناورة، وزاوية الهجوم والتحليق".
وأضاف أن المنظومة قادرة على تنفيذ "هجوم منسّق ومتعدد الاتجاهات"، من خلال 48 صاروخاً جاهزة للإطلاق، لافتاً إلى "قدرتها على تتبّع 100 مسار ومواجهة 10 منها في وقت واحد".
وتابع أن نشر المنظومة وسحبها ممكن "في وقت وجيز جداً"، كما أن نشرها وتشغيلها يتطلّب "عدداً محدوداً جداً من الأفراد"، ويمكنها العمل في "وضع مستقلّ أو بوصفها جزءاً لا يتجزأ من بنية أوسع".
منظومة "سامب-تي" التي تتمتع بقدرة تغطية تبلغ 360 درجة، للاكتشاف والاشتباك التي يتيحها هوائي الرادار "أرابيل"، تطلق صواريخ اعتراضية من طرازَي "أستر 15" (Aster 15) و"أستر 30" (Aster 30)، ويتجاوز نطاقهما 30 و120 كيلومتراً على التوالي. وتبلغ السرعة القصوى لـ "أستر 30" 1.4 كيلومتر في الثانية، وهو قادر على اعتراض أهداف على ارتفاعات من 50 متراً إلى 20 كيلومتراً. ويبلغ أقصى مدى لهذه الصواريخ 100 كيلومتر ضد مقاتلات تحلّق على ارتفاعات تتجاوز 3 كيلومترات.
وبحسب "الشرق"، بدأ تطوير الصاروخ و"سامب-تي" في عام 1990، وهندسة الإنتاج والإنتاج الأولي في عام 1997، فيما بدأت تجارب إطلاق التأهيل في عام 1999. ودخلت هذه المنظومة الخدمة في فرنسا، في عام 2010، وفي إيطاليا في عام 2012.
وفي عام 2013 نشر الجيشان، الإيطالي والفرنسي، هذه المنظومة داخل بنية حلف الناتو للمرة الأولى، ونجحت في اعتراض صاروخ باليستي أثناء اختبار اعتراض.
وفي العام ذاته، أعلنت سنغافورة شراءها "سامب-تي" مجهزة بصواريخ اعتراضية من طراز "أستر 30". وفي عام 2018، تلقّت "إم بي دي إيه" إذناً بتزويد أذربيجان بهذه المنظومة.
البعد السياسي لباتريوت
أوردت مجلة "ناشيونال إنترست" الأميركية أن صواريخ "أستر" أسقطت خلال اختبارات عدة، أهدافاً متنوعة بما في ذلك صواريخ كروز الأسرع من الصوت، وطائرات مسيّرة، وصواريخ باليستية إسرائيلية من طراز "بلاك سبارو" (Black Sparrow) مصمّمة لمحاكاة صواريخ "سكود-بي".
وأشارت إلى أن لدى صاروخ "أستر 30" قدرات مشابهة لتلك التي تتمتع بها صواريخ "باتريوت" المضادة للطائرات (PAC-2) وصواريخ (PAC-3) الموجّهة للدفاع الصاروخي قصير المدى. وأضافت أن ثمن بطارية "سامب-تي" يبلغ 500 مليون دولار، كما أن تكلفة كل صاروخ "أستر 30" تبلغ مليونَي دولار. في المقابل، يتراوح ثمن PAC-2 وPAC-3 بين 800 مليون دولار ومليار دولار لكل بطارية، إضافة إلى مليونين أو 3 ملايين دولار لكل صاروخ.
واستدركت المجلة أن "سامب-تي" أكثر اعتماداً على الرادارات الخارجية، لتمكينها من "الرؤية" بما يكفي لاستغلال أقصى مدى لها، كما أن لديها نطاق اشتباك أقصر قليلاً من PAC-2، وفقًا لـ "الشرق".
وذكرت المجلة أن رومانيا وبولندا والسويد بحثت إمكانية شراء "سامب-تي"، واختارت شراء منظومة "باتريوت" بدلاً من ذلك.
وأضافت أن أحد العوامل التي رجّحت كفّة هذا القرار، يتمثل في أن "باتريوت" اختُبر في ساحة المعركة، وهذا لم يحدث بالنسبة إلى "أستر". ولكن الأهم من ذلك، أن المشترين قد يشعرون بأن صواريخ "باتريوت" تأتي مع قيمة مضافة، تتمثل في كسب ودّ واشنطن، وبالتالي "شراء" ضمان أمني من الولايات المتحدة، بحسب المجلة.