إيلاف من بيروت: داخل ساحة المركز التعليمي في حاناتون (شمال إسرائيل)، تمسك فاتن وغولدا أيديهما معاً وهما تغنيان ضاحكتين بالعبرية والعربية، حتى لفتتا انتباه الحضور الذي صفّق لموهبتيهما الفريدتين بحرارة.
يقول تقرير نشره موقع "إندبندنت عربية" إن مؤتمر السلام العربي – الإسرائيلي، الذي نظمته 15 حركة سلام فلسطينية وإسرائيلية، قبل نحو أسبوعين، جاء بمثابة فرصة لهما لتقولا جهاراً: "لا للحرب، ونحن نريد السلام"، معلنتين في الوقت ذاته انضمامها لتحالف "نساء يصنعن السلام" (حركة نسائية ميدانية غير حزبية)، والذي أطلقته مجموعة أمهات عام 2014، طالبن بوقف الحرب، وعدم إرسال أبنائهن للقتال والموت. أكثر من 150 ناشط سلام فلسطينيين وإسرائيليين شاركوا معهن المؤتمر الذي طالب بإعادة وضع ملف السلام الفلسطيني - الإسرائيلي في قلب الأجندة السياسية والجماهيرية، وذلك ضمن فعاليات يوم السلام العالمي الذي يصادف 21 سبتمبر من كل عام.
إيمان بالسلام
باب الخليل على طول سور القدس، شهد أيضاً سلسلة "سلام بشرية" شكلها تحالف "نساء يصنعن السلام"، لدعوة أبناء الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي لإنهاء الصراع، وفق تعبيرهن.
هيام طنوس، إحدى مؤسسات التحالف، تقول: "عام 2002، اتخذوا القرار الشهير في الأمم المتحدة، 1325، وبموجبه يجب أن يكون للمرأة دور في اتخاذ أي قرار حكومي، سياسي أو أمني. نحن اليوم نؤمن بقوتنا وبقدراتنا، ونحاول المستحيل، وقد نرغم الحكومة على تلبية مطالبنا، والاتجاه نحو السلام، وأن نجعل القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية تجتمعان معاً بصورة مكثفة، حتى يتوصل هؤلاء المسؤولون إلى اتفاق يكون مقبولاً للطرفين. لغتنا بالمخاطبة لا تنطوي على انتقاد وسلبيات وعنصرية، بل نتعامل بلغة موضوعية قادرة على الإقناع. عام 2017 قمنا بمسيرات ووقفات احتجاجية في منطقة البحر الميت، بمشاركة 100 ألف امرأة، وشاركت فيها أكثر من ثلاثة آلاف امرأة فلسطينية، وعام 2018 أقمنا خيمة الأمهات مقابل الكنيست الإسرائيلي لمدة 70 يوماً، حينها انضمت إلينا عشرات النساء والرجال المؤيدين للسلام، ومن بينهم أعضاء في الكنيست، وأقمنا الحوارات والندوات حول مواضيع السلام والتعايش بين الشعبين".
وتضيف بحسب موقع "إندبندنت عربية": "في البداية، أي منذ ثماني سنوات، كنا 50 امرأة فقط، واليوم معنا أكثر من 40 ألف امرأة من إسرائيلية وعربية يؤمن بفكرة السلام وضرورة إعادة إحياء المفاوضات، ونلقى التأييد والتشجيع من عدد من القادة وأعضاء الكنيست، ومن الرئاسة الفلسطينية".
معارضة فلسطينية
في الوقت الذي تبادر فيه عضوات الحركة لتنظيم أنشطة محلية متنوعة وإبداعية داخل إسرائيل والضفة الغربية والقدس الشرقية، في إطار هيكل مكون من نحو 50 فريقاً ميدانياً، إلى جانب فرق مهنية تقدم الدعم في مختلف الموضوعات، اتهمت الحملة الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل (BDS) تحالف "نساء يصنعن السلام" بالسعي لتحسين العلاقات، بدعوى أنهن أحد أذرع البروباغندا الإسرائيلية (الدعاية الموجهة) التي تنشط في تمييع النضال الفلسطيني، و"برمجة" وعي النساء الفلسطينيات على وجه الخصوص، وفقًا لتقرير "إندبندنت عربية".
منسق الحملة في الضفة الغربية، محمود نواجعة، قال إن "التحالفات والتنظيمات ومبادرات التعايش التي تدعو لمؤتمرات ولقاءات ومشاريع التمكين الاقتصادي والأكاديمي بين فلسطينيات وإسرائيليات، لكسر الحواجز النفسية والتعرف على الآخر وتخطي الهويات القومية الذكورية وإيجاد القواسم النسوية المشتركة بين كلا الطرفين، ليست وهماً وتضليلاً فحسب، بل هي طريق لتمكين الاحتلال من اختراق مجتمعنا وتشويه الوعي الوطني، وبخاصة النساء في المناطق المهشمة والفقيرة، حيث باتت النساء في تلك المناطق أكثر عرضة لهذه الأفكار، لاستغلالهن سياسياً ومالياً ومعنوياً. انتشار المؤسسات الفلسطينية - الإسرائيلية المشتركة وتزايد عدد الأفراد المنغمسين في نشاطاتها مؤشر خطير، لذلك نتصدى لها بإيقافها ومنع وفضح تلك الأنشطة والفعاليات، لكن للأسف هناك غطاءً رسمياً لتطوير العلاقات يساند ويدعم تلك المؤسسات والنتظيمات".
قرار أممي
ورداً على هذه الاتهامات، أكد التحالف بدوره، أن هناك رغبة قوية لدى النساء الإسرائيليات والفلسطينيات لإحلال السلام الحقيقي في الجانبين، وأن يكون هناك تمثيل متساوٍ للنساء في جميع جوانب صنع القرار المتعلقة بالمفاوضات، وفقاً لما نص عليه قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325، والذي يعتبر النساء مفتاحاً للسلام الدائم في مختلف المناطق في العالم، بحسب "إندبندنت عربية"
هدى أبو عرقوب، رئيسة منظمة السلام في الشرق الأوسط "ALLMEP" ، والتي تضم أكثر من 100 منظمة للسلام من بينها "نساء يصنعن السلام"، تقول إن "السلام جزء من هويتنا وجزء من ديننا، ولا نخجل أننا نحب السلام، ومستمرون من أجله. هذه الحركة تعبر عن جهود مميزة وجادة من نساء إسرائيليات من أجل الانخراط في فعاليات سياسية تقود إلى تحقيق السلام والمساواة والعدالة للجميع، ودعمنا لهذه الحركة ينسجم مع جهود القيادة الفلسطينية الرسمية الساعية لإحلال السلام العادل لنا جميعاً".
دعم رسمي
لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي، التي قام رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بتشكيلها عام 2012، وتعد من دوائر "منظمة التحرير"، رحبت أكثر من مرة بتحالف "نساء يصنعن السلام" وغيرها من التنظيمات الإسرائيلية التي تُبدي تمسكها بخيار السلام وتطبيق "حل الدولتين"، كطريق وحيد لإنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
بحسب "إندبندنت عربية"، رفض عضو لجنة التواصل، أشرف العجرمي، الاتهامات الموجهة للتحالف، مؤكداً أن "النساء الإسرائيليات خُضن تحركات مؤثرة وفاعلة، وهن يعملن على تجنيد الرأي العام بمجتمعهن لفكرة السلام وحل الدولتين، وأي نشاط إيجابي من شأنه تمكين النساء الفلسطينيات سياسياً واقتصادياً واجتماعياً إلى جانبهن ويخدم القضية الفلسطينية، فهو مرحب به دائماً. التطورات تبدو بطيئة، لكن أثرها سيكون كبيراً على المدى البعيد".
وشكك أمين عام حزب "المبادرة الوطنية"، مصطفى البرغوثي، بجدوى عمل لجنة التواصل واصطفافها إلى جانب المنظمات والتحالفات الإسرائيلية المختلفة بقوله، "ليس بالضرورة أن نصدق كل من يتكلم عن السلام، فما يتم الحديث عنه من تنظيمات وتحالفات ولقاءات مشتركة هو في إطار تحسين العلاقات بالشكل العلني، ومن الناحية الموضوعية لم تؤدِ إلى أي تغيير إيجابي يذكر لصالح القضية الفلسطينية. علينا التوافق على استراتيجية وطنية مشتركة تتصدى لمحاولات التعاطي مع الحركات الإسرائيلية".
تسوية الصراع
كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، قد تجنب تماماً الحديث عن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني خلال كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الشهر الماضي، ما أثار موجة انتقادات في أوساط اليسار في إسرائيل. وسبق أن قال وزير الخارجية الإسرئيلي، يائير لبيد، إنه يؤيد "حل الدولتين" لتسوية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، إلا أنه اعتبر أن تحقيق ذلك في الوقت الراهن "غير ممكن".
ورداً على رفض بينيت وحكومته لقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والقول صراحةً، إنهم لا يرون من المناسب استئناف مسيرة السلام في الوقت الحاضر، قررت 40 حركة وتنظيماً إسرائيلياً إطلاق حملة جماهيرية تحت عنوان "معاً نعيد مسألة السلام إلى جدول الأعمال. آن الأوان لسلام إسرائيلي - فلسطيني"، وجاء في نص الدعوة: "الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني باقٍ معنا، ولن يختفي إلى أي مكان، ونحن الشعبين ندفع الثمن. ليس هناك من يجلب السلام بدلاً منا. وليس لدينا وقت لانتظار القادة ليستيقظوا. هذه قضية ملحة لأنها تكلفنا ثمناً باهظاً بالحرية والدماء. السلام من القاعدة والجمهور، لإلهام القادة وتشجيعهم على عمل شيء جيد".