مثلما استغلت إيران الميليشيات الشيعية في العراق لمد نفوذها إلى البحر المتوسط بعد الانسحاب الأمريكي من العراق، هي اليوم تتطلع إلى تنفيذ نفس السياسة في أفغانستان بعد ما تم انسحاب القوات الأمريكية منها، فمسارات التوجهات الإيرانية تشير إلى أن النظام الإيراني في طريقه إلى تنفيذ خطته في أفغانستان، مستغلا متغيرات الواقع على الأرض وتوظيفها لصالحه، واتضحت هذه الرؤية بعد أن دفعت بتشكيل ميليشيات طائفية شبيهة بميليشيات الحشد الشعبي العراقية، بحجة محاربة التنظيمات المتطرفة مثل (طالبان)، وهناك مؤشرات متزايدة لتدخل عسكري إيراني يجري التمهيد له عبر تشكيل الميليشيات.
ومع أن وزير الخارجية الإيراني (ظريف) قد صرح بـ(أنه مع انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، ولن تبقى أي عقبة أمام الشعب الأفغاني بكل طوائفه السياسية، وأن إيران تقف إلى جوار الأفغان دومًا) إلا أن الواقع ينافي ذلك التوقع، فإيران مبيتة النية للسيطرة على أفغانستان كما فعلت في العراق، لاسيما أنها تنظر إلى (طالبان) على أنها أكبر تهديد لأمنها، إذ لا زالت تتذكر هجوم (الطالبان) على قنصليتها عام 1998 وإعدام الدبلوماسيين الإيرانيين عقب استيلاء طالبان على مدينة (مزار الشريف)، وترى بأنه حان الوقت لأن تقتص منهم على تلك المذبحة، وعليه فإن وسائل الإعلام الإيرانية بدأت في تحريض مشاعر الشيعة، وخاصة (الهزاره) في أفغانستان للالتحاق بالحشد الشعبي الشيعي ضد (طالبان) بزعم أن الحركة تنوي ممارسة إبادة جماعية ضد الشيعة وضربهم، فيما يقوم النظام الإيراني على استنساخ ميليشيا شيعية تحت مسمى (الحشد الشيعي)، بدأت طلائعها في الأحياء الشيعية في العاصمة (كابول) لقتال الحركات المتطرفة، والمقصود بها (طالبان)، ولتنضم هذه الميليشيا إلى فصيل آخر هو لواء (فاطميون) الذي شارك في الحرب السورية، أكد ذلك (سيد زهير مجاهد) المسؤول الثقافي عن جماعة (فاطميون) في مقال له تم نشره في صحيفة (جمهوري إسلامي) الإيرانية، أشار فيه إلى أن الجماعة تتواجد ضمن الأراضي الأفغانية، وتواصل استعداداتها لمقاتلة حركة (طالبان).
الحكومة الأفغانية عبرت عن مخاوفها بشأن تحركات إيران نحو تنظيم مجموعات مسلحة شيعية أفغانية، واعتبرت أن من شأن ذلك أن ينذر بحرب طائفية، تمامًا مثل تلك التي حدثت في العراق، بينما يراها المشرف على وزارة الاستخبارات الأفغانية (قاسم وفائي) بأنه يخلق أبعادًا أكبر للحرب الأفغانية التي يمكن أن تكبر نارها لتصل إلى داخل إيران نفسها، لاسيما وأن حركة (طالبان) ليست طرفًا ضعيفًا، فالولايات المتحدة حينما وقعت على اتفاق السلام في الدوحة في فبراير العام الماضي، وقعته مع حركة (طالبان) وليس مع الحكومة الأفغانية أو مع أي طرف آخر.
طالبان ليست بالصيد السهل أمام إيران، وهم جزء مهم من الأفغان الذين طردوا الاتحاد السوفيتي وأجبروا قواته على التقهقر ثم الانسحاب، كما أجبروا الولايات المتحدة هي الأخرى على الانسحاب، ولا شك أن النظام الإيراني سيندم إن تدخل في شأنهم الداخلي وسيتعرض لهزيمة لا قِبل لهم بها ولا نهاية لها.. وليأخذ العبرة من الدولتين العظميين اللتين باءت محاولتهما بالفشل.