: آخر تحديث
اقتراع الجمعة حدّ من تغول الحزبين الأساسيين

"إيلاف المغرب" ترصد سيناريو التحالفات المحتملة لتشكيل الحكومة

269
318
268

لم تفصح النتائج النهائية للانتخابات التشريعية المغربية التي أعلنها وزير الداخلية، صباح السبت، وسلمت بها موقتًا، على ما يبدو، كل الأحزاب المتبارية؛ عن خصوصية وفرادة المشهد السياسي المغربي، بالنظر إلى المعطيات الغائبة، من قبيل نسبة الأوراق الملغاة، والفارق بين حزب وآخر، وطبيعة التقدم أو التراجع في منطقة دون أخرى، والفئات التي صوّتت أكثر من غيرها، وكيفية توزع الأصوات بين المدن والأرياف والعوامل التي تقف وراء نجاح قائمة دون غيرها إلى غير ذلك من المؤشرات التي تتيح للمحلل قراءة أقرب إلى الموضوعية للنتائج واستنباط الدلالات، وكذا التحولات الظاهرة والخفية التي عكستها اتجاهات تصويت الناخبين المغاربة يوم السابع من أكتوبر.

إرباك الساعات الأولى
أول ما يستوقف الملاحظ في المشهد، نسبة المشاركة التي بدأت ضعيفة خلال ساعات الاقتراع الأولى، ثم سجلت قفزتين في المساء بعد الساعة الخامسة، كما يحدث في بورصات المال والأعمال، حينما يطرأ عامل لم يكن متوقعًا، فيربك الحسابات ويخلط الأوراق والسندات المصرفية وأسهم الشركات.
 
وكانت وزارة الداخلية المغربية اعتادت خلال الاستحقاقات الماضية موافاة الرأي العام بتطور حركة الإقبال على صناديق الاقتراع، بنشر المعدل الوطني على مدار الفترات الزمنية؛ وبالتالي كان منطقيًا أن يوضع الرأي العام المغربي في الصورة على مدار ساعات الاقتراع. وربما يعود شح وزارة الداخلية عن تقديم المعطيات إلى الإرباك، الذي خلفه في مطبخها ضعف الإقبال خلال الساعات الأولى، مع احتساب الفارق بين المناطق والجهات المغربية.

وتبدو النتيجة النهائية المعلنة متوافقة إلى حد كبير مع السيناريوهات التي راجت أثناء الحملة، والمرجّح أنها قريبة مما أودعه الناخبون من أوراق في  صناديق الاقتراع، بل إن التفاوت في نسب المشاركة يسير في المنحى نفسه الذي بدا في المغرب منذ أن رفعت وزارة الداخلية المغربية، في ظل العهد الجديد، أياديها عن الصناديق، وقد باتت شفافة محاطة بأعين المراقبين والملاحظين المغاربة والأجانب، فضلًا عن مرابطة مندوبي الأحزاب في مكاتب الاقتراع منذ انطلاقه إلى نهايته، واستلامهم محاضر النتائج قبل انصرافهم إلى مقار أحزابهم.

نهاية سلمية
كانت الضراوة التي طبعت المنافسة بين الفاعلين الحزبيين، والاتهامات المتبادلة الخطيرة التي شابتها، وخاصة من لدن القطبين الكبيرين، اللذين تصدرا النتائج، أي "العدالة والتنمية" و"الأصالة والمعاصرة"؛ منذرة بجرّ البلاد إلى منزلق غير مأمون. بيد أن انتهاء العملية بسلام يدل على معطى مهم، مفاده أن الدولة وأجهزتها تصرفت بحكمة وعقلانية، بل من المؤكد أن التوجهات العليا كانت صارمة في أفق التهدئة واحترام إرادة الناحبين، وعدم ترك الفرصة لأي متشكك في مسار الاستحقاق الانتخابي، الذي يعد رغم بعض عيوبه، نموذجيًا في منطقة مضطربة وسياق إقليمي غير مستقر.

في هذا السياق، يمكن اعتبار نتيجة الانتخابات ردعًا وتصديًا لأي تغول حزبي؛ فحزب العدالة والتنمية صمد في وجه رياح عاتية هبت عليه طوال الولاية التشريعية، لكنه حافظ على قلاعه، بل حسن أوضاعه، واستمال فئات ناخبة جديدة، كونه استعلم كلمة سحرية في خطاب الحملة، رغم ما شابها من تشنج أحيانًا، يكمن في الإلحاح والتأكيد على استقرار المملكة والالتفاف حول عاهل البلاد ، وصون التجربة الديمقراطية الفتية من العبث. هي شعارات رفعها زعيم الحزب الفائز، وسط غليان الحملة. وكل ذلك ساهم بشكل من الأشكال، في تبوئه صدارة المشهد.

عكس التوقعات
من جهة، يجوز لغريمه "الأصالة والمعاصرة" الزهو بما كسبه، إذ لم يخالف توقعات المراقبين. صحيح أنه قاد حملة شرسة ضد خصمه الأساس، مبررها أنه كان يصارع من أجل البقاء أو الاندثار.

وسواء صح ما قيل عن استفادته من "عطف الدولة" أو اعتمد على قوته، وهي ليست هينة، فإن محصلته ستشكل "فرملة" لطموحات غريمه "العدالة والتنمية"، مثلما أن وجوده بحجمه الجديد بأكثر من مائة مقعد في مجلس النواب، سيمكنه من تزعم معارضة ناجعة، إن استطاع تهدئة وتلطيف خطابه السياسي، بأن يأخذ بعين الاعتبار إرادة الناخبين، التي تريده جزءًا من المشهد وليس متحكمًا فيه.

وسارع نشطاء سياسيون وإعلاميون إلى تشبيه الحالة السياسية في المغرب، بعد نتائج الانتخابات بوضع الانسداد الذي تعرفه إسبانيا، جارة المغرب الشمالية، التي لم تطرد حتى الآن من الأفق شبح إعادة الانتخابات التشريعية للمرة الثالثة في ظرف سنة؛ جراء تمسك كل حزب بمواقفه ورفضه التحالف مع المختلفين معه.

لا يشبه إسبانيا
الحقيقة أن المشهد الحزبي في إسبانيا لا يشبه في أي شيء نظيره المغربي، من قريب أو بعيد، إن في طبيعته وتكوينه وأساليب أدائه فضلًا عن الإطار الدستوري العام (الملكية البرلمانية المطلقة) الذي يحكم العملية السياسية في الجارة الأيبيرية. لكن يبقى احتمال أزمة في تشكيل الحكومة المغربية المقبلة واردًا، ما لم تتحل الأطراف الفاعلة بالحكمة وإيثار المصلحة العليا للبلاد. فأن يعود "العدالة والتنمية" إلى الحكومة ليس في ذلك أية مخاطرة أو غرابة سياسية، فالحزب معروف بعيوبه ومزاياه، بإخفاقاته ونجاحاته، ما سيمكنه من مراجعة خططه وأساليب العمل والتعامل مع الحلفاء والمنافسين.
 
فمع من سيتحالف، وقد حرم على نفسه الجلوس مع "الأصالة والمعاصرة"، علمًا أن رئيس الحكومة المنتهية ولايته، يرفض قطعًا التعامل مع شخص واحد في الأصالة والمعاصرة، هو أمينه العام، وليست بقية زعامات الحزب. وهذا في حد ذاته عائق كبير، يقابله رفض مماثل من "الأصالة والمعاصرة"، الذي ذهب بعيدًا في اتهامه للإسلاميين بأنهم يعرّضون استقرار البلد للخطر.
 
رفيق الإسلاميين
ومن المرجح أن ابن كيران إذا ما كلفه العاهل المغربي تشكيل حكومة جديدة، سيتوجه إلى التفاوض مع الأحزاب الأخرى، سواء من الكتلة الديمقراطية القديمة (الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية)، فضمن هؤلاء يوجد حليفان، أحدهما رافقه في منتصف الطريق (الاستقلال)، ثم انشق عنه، والثاني أكمل المشوار (التقدم والاشتراكية)، الذي يعتقد كثيرون أنه أدى ضريبة الارتماء في أحضان "العدالة والتنمية". 

وفي هذا الرأي مبالغة وإغفال لكثير من الحقائق، بمعنى أن تراجع "التقدم والاشتراكية"، ربما يعود إلى قصور في ماكينته الانتخابية ونجاعته التنظيمية، قبل أن يكون ضحية الأجواء التي خلفها بيان الديوان الملكي المغربي. وهذا يعني أنه سيظل رفيقًا للإسلاميين الذين طالما كالوا له المديح، فهم يرون في أمينه العام، نبيل بنعبدالله، استمرارًا لنهج القائد التاريخي علي يعتة، الذي كان يضع في مكتبه المصحف المرتل، وفي مكان قصي "رأس المال" لكارل ماركس.

سيفتح ابن كيران قناة الاتصال مع حميد شباط، أمين عام حزب الاستقلال، الذي حل في المرتبة الثالثة بفارق مهم عن الحزب الثاني. ويبدو أن شباط لم يعد بمثل الفتوة التي كانت له في الماضي، فقد تخلت عن حزبه مدينة فاس مجددًا، رغم ظرفه هو بمقعد واحد، وهي الرمز المكاني لحزب الراحل علال الفاسي.

تفاوض عسير
سيكون التفاوض عسيرًا بين الاثنين في البداية من دون استبعاد حصول اتفاق على حصة المشاركة في الحكومة المقبلة. وحزب الاستقلال يوجد بين ناري "العدالة والتنمية "و"الأصالة والمعاصرة" وأحزاب أخرى؛ جميعها تحاول انتزاع جزء من كتلته الناخبة، ولا يبدو أن هناك أفقًا واعدًا للحزب في المستقبل أمام الهزيمة النكراء لحليفه التاريخي "الاتحاد الاشتراكي".

يبقى موقف أمين الاتحاد الاشتراكي، إدريس لشكر، محاطًا بعلامات الاستفهام. سيجد حرجًا في رفع صوته أمام ابن كيران، لكن الأخير يمكن أن يمد إليه طوق النجاة، كما فعل خلال الولاية الحكومية المنتهية، حينما ناشد ابن كيران "الاشتراكيين المغاربة أن  تعالوا إلى صفي لتسندوا كتفي".

ويبدو أن الزعيم الاتحادي انساق وراء سراب المجتمع الحداثي الديمقراطي، وأخطأ في الحساب، فإذا به ينال ما ناله من عقاب الناخبين. وكأنه اشتم رائحة الكارثة، فلم يغامر بترشيح شخصه.

قطبان وتشكيلات
تبقى القوة الحزبية الأخرى، التي لا يوجد بينها وبين "العدالة والتنمية" تعارض كبير، وخاصة الحليفة في الحكومة الحالية، أي التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية. فكلاهما تضرر من تقدم "الأصالة والمعاصرة"، وليس من "العدالة والتنمية. فإن استمع الحزبان إلى رسالة الناخبين، فإنهما لن يعرقلا في الغالب قيام حكومة ائتلافية.

ربما يبدو المشهد الحزبي المغربي، بعد الانتخابات، مبلقنًا ومشرذمًا، والواقع ليس كذلك. يوجد قطبان كبيران، وتشكيلات أخرى لن تجد حرجًا وتناقضًا، إذا ما طلب منها أن تكمل النصاب الدستوري لقيام حكومة. العرقلة كان يمكن أن تأتي من يسار قوي عددًا وعتادًا. هذا ما يبدو من ظاهر الأشياء، لكن النوايا السياسية الدفينة لا يعلمها إلا الذين يخفونها في ضمائرهم. عمومًا، ليس المغرب في حاجة إلى أزمة حكومية تنعدم أسبابها الموضوعية ومبرراتها السياسية.


 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار