يعيش الفرنسيون صيفا غير مألوف بات فيه التهديد بوقوع اعتداءات جديدة جزءا من حياتهم اليومية، فاضطرت السلطات الى إلغاء احتفالات ونشر عناصر الشرطة على الشواطئ وتسيير دوريات عسكرية ظاهرة للعيان في شوارع باريس.
باريس: قالت الطبيبة النفسانية افلين جوسي ان "هذا الامر جديد بالنسبة الينا. ثمة بلدان مثل اسرائيل يشكل فيها التهديد الارهابي خطرا يوميا. بتنا نتحدث عن +اسرلة+ مجتمعنا، لكن حتى في اسرائيل لا يستطيعون منع اشخاص من القيام باعتداءات، سنعتاد هذا الامر بطريقة ما".
وصدرت مجلة "لو بوان" في الفترة الاخيرة غلافها بهذا العنوان "كيف نصمد". كان ذلك بعد اعتداء نيس (84 قتيلا) وقبل ذبح كاهن في كنيسته بعد اقل من خمسة عشر يوما، اللذين اعلن تنظيم الدولة الاسلامية مسؤوليته عنهما.
وللمرة الاولى هذه السنة، ارسل حوالى مئة شرطي يحملون السلاح للقيام بدوريات على شواطئ فرنسا، وتقضي مهمتهم بالرد اذا ما حصل هجوم مماثل لذلك الذي وقع على شاطئ سوسة في تونس في يونيو 2015 (38 قتيلا). وكي لا يرعبوا رواد الشواطئ، وضعوا اسلحتهم في حقائب عازلة للمياه لا تلفت النظر ومربوطة على خصورهم.
وبلغ الامر بمدينة كان (جنوب شرق) ان منعت استخدام حقائب الظهر الكبيرة على شواطئها، للحؤول دون اخفاء اسلحة او مواد متفجرة فيها.
مصدومون
ويعترف بعض الفرنسيين بأنهم باتوا لا يصطحبون اطفالهم الى اماكن مزدحمة منذ اعتداء نيس الذي استخدمت فيه شاحنة. وقد لقي عشرة اطفال مصرعهم سحقا من بين 84 قتيلا آنذاك.
وقالت المتقاعدة فرنسواز (69 عاما) التي فضلت التكتم على اسم عائلتها "اننا نشعر بالصدمة... اننا نفكر في امكانية وقوع اعتداء عندما نقصد مكانا عاما يزدحم فيه الناس، كالسينما والمسرح، والآن جاء دور الكنائس".
وكان إقدام شابين "جهاديين" في التاسعة عشرة من العمر على ارتكاب جريمة القتل غير المسبوقة للكاهن، قد اوقع فرنسا في الذهول التام.
وطرأت على سلوك الفرنسيين تعديلات لحماية انفسهم من القلق الناجم عن تزايد الهجمات او مشاريع الاعتداءات، فبات البعض منهم لا يسعى إلا بالقدر اليسير للاستماع الى اخبار وسائل الاعلام.
واعلن المحامي نوربرت غوتمن (56 عاما) الذي يقيم قرب باريس ويؤكد انه زار طبيبا نفسيا "حتى يطمئن ويهدأ"، "ابتعدت قليلا عن وسائل الاعلام. استمع الى نشرات الاخبار، لكن ليس بصورة دائمة ومتواصلة. ولدى وقوع اعتداء باتاكلان (نوفمبر 2015 و130 قتيلا بالاجمال مع الاعتداءات الاخرى في المساء نفسه) بقيت حتى الساعة الخامسة صباحا مسمرا امام التلفزيون. ثم توقفت عندما بدأت اشعر بالغضب".
وفي خضم الصيف، لا تخلو الساحات الباريسية وضفاف نهر السين من المارة. لكن الحذر يبقى قائما من خلال وجود العسكريين المسلحين بالبنادق الهجومية في الشوارع والاماكن السياحية. وفي المترو، تكثر الإعلانات التي تطلب وقف الرحلة "بسبب طرد مشبوه".
وقال تيبو شيز (32 عاما) ان "الحياة اليومية قد تغيرت لجميع الباريسيين. ازددنا ارتيابا، وازددنا حذرا. القلق ما زال موجودا".
وتتوتر الاجواء احيانا من دون سبب.
فلدى تنقله بسلاح مزيف على احد شواطئ غرويسان (جنوب شرق)، سرعان ما تسبب شاب بتفشي حالة من الذعر. واعتقل ثلاثة رجال قبالة سواحل مرسيليا (جنوب) اواخر يوليو بعدما هتفوا "الله اكبر" على سفينة كانت تتوجه بسرعة نحو الشاطئ على ما يبدو. وقال مصدر قضائي ان "اشخاصا مصدومين قد ادلوا بإفاداتهم بصفتهم شهودا، ورفع البعض الاخر شكوى".
إلغاء احتفالات
وعلى سبيل الاحتياط، تقلصت او ألغيت احتفالات تقليدية، مثل الالعالب النارية في 15 اغسطس، او الثقافية كمهرجانات السينما في الهواء الطلق، في كل انحاء فرنسا تقريبا.
وقال وزير الدفاع جان-ايف لو دريان هذا الاسبوع "نحن في حالة حرب. لذلك يتعين الان منع التظاهرات اذا لم تحترم المعايير الامنية".
وتؤكد المهرجانات التي لم تلغ حاجة الناس الى تغيير افكارهم والعيش معا لحظات ايجابية.
إلا ان احتفالات بايون (جنوب غرب)، إحدى اكبر التجمعات الشعبية في العالم، والتي تمتزج فيها التقاليد ومصارعة الثيران، اقفلت الاحد مع تراجع الحضور بنسبة 20%. وقال نويل اوسكي (49 عاما) ان الاجواء كانت "مختلفة. كنا نراقب فعلا ما يحصل حولنا".
وتميزت بعض الاصوات حول موضوع "حتى من دون خوف"، وقد زين هذا الشعار فترة طويلة ساحة لاريبوبليك في باريس بعد اعتداءات نوفمبر.
وكتب احد سكان مرسيليا محمد نيني على صفحته في الفيسبوك "داعش تهدد مرسيليا، وانا اهدد داعش"، واضاف شريط فيديو يتضمن شتائم شاهده اكثر من 300 الف شخص في خلال اربع وعشرين ساعة.
وقالت حركة سرية قومية كورسيكية ان "فلسفتكم التي تعود الى القرون الوسطى لا تخيفنا"، وهددت "برد حاسم بلا رحمة" اذا ما وقع هجوم "جهادي".