ردًا على تعيين عتاة العداء لأوروبا في مناصب بريطانية عليا، عيّن الأوروبيون فرنسيًا يمينيًا متعصبًا لأوروبا مشرفًا على بريكست، ويريد إتمام خروج بريطانيا اليوم قبل الغد.
إيلاف من باريس: عين جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية، ميشال بارنييه، وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، مفوضًا أوروبيًا مشرفًا على عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في رسالة إلى المملكة المتحدة بأن مفاوضات الخروج لن تكون سهلة، فمن يقودها دبلوماسي أوروبي سابق مطلع على دهاليز السياسة الأوروبية الاقتصادية، وهو وفي الأصل فرنسي تدفع بلادُه بقوة لتسريع خروج بريطانيا من الاتحاد.
استفزاز
لم يأت تعيين بارنييه مفوضًا أوروبيًا للإشراف على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي صدفة، فهو يأتي بعد تعيين رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة تيريزا ماي صقور حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على رأس الدبلوماسية البريطانية، بينهم بوريس جونسون، عمدة لندن السابق، وزيرًا للخارجية في خطوة استفزت الاتحاد الأوروبي الذي سبق أن قدم تنازلات لحث البريطانيين على البقاء في الهيكلية الأوروبية. لكن حملة الخروج كانت أقوى، واستطاعت أن تؤثر في الناخب البريطاني المعادي للهجرة ولسياسة الأبواب المفتوحة التي انتهجها الاتحاد الأوروبي في أزمة الهجرة غير المسبوقة، وتغاضى أيضًا عن المحفزات الاقتصادية كلها التي يمنحها الاتحاد الأوروبي لبريطانيا، منها السوق المالية المفتوحة التي جعلت من سوق لندن المالية قبلة لكبرى الشركات المالية في العالم.
يعرفهم جيدًا
يقول آلان فراشون، الكاتب في صحيفة لوموند الفرنسية، لـ "إيلاف": "يعرف بارنييه البريطانيين جيدًا بصفته المفوض الأوروبي الأسبق للتنظيم المالي، وهو على علم بخفايا كل ما يتعلق بسوق لندن المالية والشؤون المالية البريطانية. وهذا سيكون في صلب المباحثات التي سيقودها مع المملكة المتحدة لتفعيل عملية الخروج، وهنا جوهر الخلاف لأن البريطانيين يريدون أن تواصل سوق لندن المالية العمل في السوق المالية الأوروبية الموحدة، أي أن تبقى تتمتع بجواز السفر الاقتصادي المفتوح على كل دول الاتحاد الأوروبي. كما أن بارنييه من أشد المطلعين على هذا الموضوع لأنه من قاد المفاوضات في شأن القوانين الاقتصادية الأوروبية الجديدة عندما كان مفوضًا ماليًا في الاتحاد الأوروبي، واعتمد آنذاك على العمل بشكل أساس مع سوق لندن المالية".
متعصب لأوروبا
يُعرف عن بارنييه تعصبه لأوروبا، وإطلاعه الدقيق على خفايا السياسة الأوروبية الاقتصادية، فهو في الأصل يميني الهوى، ومدافع شرس عن الإرث السياسي للرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول الذي عارض مرتين دخول بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
شغل منصب وزير الخارجية الفرنسية بين عامي 2004 و2005، وكان قبل ذلك وزيرًا فرنسيًا مكلفًا الشؤون الأوروبية، إلى أن تولى منصب المفوض الأوروبي المكلف السوق الداخلية والشؤون الاقتصادية من عام 2009 إلى عام 2014. وهو مهندس الوحدة المصرفية الأوروبية، وناضل من أجل عدم حصول بريطانيا على محفزات اقتصادية، علاوة على عضويتها في السوق الأوروبية الموحدة، لأنها قبل الإستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي كانت عضوًا في الهيكلية الأوروبية، لكنها لم تكن في عداد دول شنغن، ولم تدخل يومًا منطقة العملة الأوروبية الموحدة (منطقة اليورو).
إجراء مستفز؟
نعم، هذا إجراء مستفز، وكان في امكان يونكر اختيار شخصية من إحدى الدول الأوروبية التي لا ترى ضرورة في سرعة تفعيل إجراءات خروج بريطانيا على غرار ألمانيا أو هولندا، لكن الإختيار وقع على بارنييه.
ولا يرى فراشون في تعيين بارنييه مفاوضًا أي استفزاز لبريطانيا. يقول: "إن اختيار بارنييه مفوضًا لإتمام عملية خروج بريطانيا يعود في الأساس إلى إطلاعه العميق على خفايا الشق الاقتصادي، وهذا هو الأهم في هذه المفاوضات، والأساس هو ما سيكون عليه وضع سوق لندن المالية، وهل ستواصل الإستفادة من السوق الأوروبية الموحدة؟ حتى الصحف البريطانية رأت في هذا التعيين إستفزازًا، كصحيفة فايننشال تايمز".
غير جاهزة
لن تكون مهمة بارنييه سهلة، لأن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي سبق أن اطلعت الجانبين الفرنسي والألماني على أنها لن تفعّل المادة 50 من معاهدة لشبونه، التي تطلق آلية خروج دولة عضو من الهيكلية الأوروبية، قبل العام المقبل، لأن الحكومة البريطانية ليست جاهزة لذلك، لا دستوريًا ولا اقتصاديًا، وهذه كانت الرسالة التي حملتها ماي في أول زيارة لها إلى برلين وباريس بعد تعيينها رئيسة للوزراء، والتي نقلها جونسون إلى نظرائه الأوروبيين في اول اجتماع شارك فيه على مستوى وزراء الخارجية في بروكسل، وأمل فيه أن تواصل بريطانيا الإستفادة من السوق الأوروبية الموحدة بعد خروجها من الاتحاد.
عليها أن تدفع
يقول فراشون: "يمكن أن يوافق الأوروبيون على مواصلة بريطانيا الإستفادة من السوق المالية الأوروبية، لكنه سيكون موضوعا صعبًا، وسيتطلب تنازلات من الجانبين، فإذا أرادت المملكة المتحدة أن يكون وضعها كوضعي سويسرا والنرويج غير العضوين في الاتحاد الأوروبي لكن يستفيدان مباشرة من السوق الأوروبية، فذلك يتطلب أن تدفع مبالغ مالية لأوروبا، ستفوق ما كانت تدفعه لقاء عضويتها في الاتحاد".
يضيف: "أعتقد أن لندن ستقبل ذلك، وفي المقابل، سيُطلب منها اعتمادُ إجراءات سهلة للمواطنين الأوروبيين العاملين على أراضيها ، ومن يود العمل في بريطانيا، فإذًا هي مفاوضات صعبة، وسيكون صعبًا على البريطانيين قبولها، ولا اتحدث هنا عن ماي لأنها لم تكن تؤيد عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في الأصل، لكن صعبًا على جونسون، أحد صقور حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وعلى دايفيد دافيس المفاوض البريطاني لإتمام عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".