: آخر تحديث
عرابُ اليسار الثاني في الحزب الإشتراكي

ميشال روكار: مسيرة رجل دولة أراد أن يصبح رئيسا للجمهورية

150
189
160

ليال بشارة من باريس: جعل من تجديد اليسار هدفا في حياته السياسية، وحلم بأن يصبح رئيسا للجمهورية و إذ به رئيسا للوزراء في عهد غريمه فرانسوا ميتران.

مثَلَ ميتران و روكار كل التناقضات التي ألهبت الحياة السياسية منذ ستين عاما، الأول هو من دعاة المدرسة اليسارية المعادية للرأسمالية بكل أشكالها وتوجهاتها ومنها الإشتراكية من المنظور الأميركي والثاني كان عراب اليسار الثاني، وركيزته الأساسية المجتمع المدني والوسطية. 

فشل ميشال روكار في الوصول إلى سدة الرئاسة ولكن ها هي أفكاره الداعية لخلق  يسار اجتماعي ديمقراطي يستمد قوته من الشعب ويحاكي الواقع الإجتماعي، هذا اليسار المسيحي ذات التوجهات الوسطية، يفضل التوصل إلى توافق والإبتعاد عن المواجهة و يرى ان المجتمع المدني هو باني الدولة، يجد متنفسا له لدى العديد من أقطاب اليسار في فرنسا الذي غدا يسارين، يسار حاكم و يسار معارض لليسار الحاكم .

مارس الحكم وفشل في الإستحواذ عليه

أراد والده أن يكمل علومه في المجال العلمي و إذ به يلتحق بمعهد العلوم السياسية في باريس ليكمل في المدرسة الوطنية للإدارة وهي أرقى الجامعات التي تخرج كبار موظفي الدولة بينهم رؤساء حاليون وسابقون للجمهورية. 

التحق بالفيدرالية الوطنية للطلاب الإشتراكيين عام 1949 و ساهم عام 1958  بتأسيس الحزب الإشتراكي المستقل ورفض آنذاك عضوية فرانسوا ميتران فيه لاعتباره مشبوها وسياسيا اكثر مما هو مطلوب، و أصبح السكرتير الأول لما عُرف لاحقا بالحزب الإشتراكي الموحد.

أشار طيلة مساره السياسي إلى أنه سيصبح يوما رئيسا للجمهورية لكن في عام واحد و سبعين وحّد فرانسوا ميتران الأحزاب الإشتراكية في قوة سياسية وهو ما وصفه ميشال روكار بديكتاتورية فُرضت على مناصري اليسار، و لكنه سرعان ما وجد نفسه مناضلا في هذه الديكتاتورية  التي وصفها.

عام واحد وثمانون، ارتكب روكار الخطيئة الكبرى بإعلان ترشحه لرئاسة الجمهورية في حال عدم رغبة ميتران في خوض التجربة مرة أخرى بعد فشله في انتخابات الرئاسة عام  74 أمام مرشح اليمين آنذاك، الرئيس الأسبق فاليري جيسكار ديستان، لتأتي المفاجأة بإعلان ميتران ترشحه مجددا ما أجبر روكار على سحب ترشيحه. 

أصبح وزيرا للزراعة في ولاية ميتران الأولى وسرعان ما استقال رفضا لدخول نواب عن حزب الجبهة الوطنية، اليمين المتطرف، للمرة الأولى إلى الجمعية الوطنية عقب انتخابات عام 86 بسبب اعتماد قانون النسبية.  

وبعد عامين، عين ميتران  ميشال روكار رئيسا للوزراء في ولايته الثانية عام 88، وباح لمقربيه بان تعيين روكار كان استجابة لرغبة الشعب الفرنسي على أن يترك للزمن الحكم ان كان جيدا او سيئا. 

حكومة انفتاح على الآخر

في ولايته الثانية، كان ميتران يعاني تدنيا في شعبيته و كان روكار الرجل الأنسب نظرا لمساره السياسي فهو كان رئيس حكومة انفتاح على الآخر، بحيث ضمت حكومته شخصيات من المجتمع المدني ومنشقين عن أحزاب المعارضة لكن لا يعني ذلك غياب التوتر الكبير بين رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه اللذين وإن كانا من البيت السياسي نفسه لكن روكار حافظ على خطه السياسي ببلورة يسار منفتح على الآخر، يسار هو أقرب إلى الشعب يفضل التفاهمات والإبتعاد عن الصراعات ولا يؤمن في الأساس بنهج ميتران المعادي للرأسمالية. 

انطلقت حرب الخليج الثانية عام  90 وشكلت متنفسا لرئيس الجمهورية فرانسوا لإقالة روكار من رئاسة الوزراء رغبة منه في إعطاء دفع جديد للعمل الحكومي والنهوض مجددا بالإقتصاد الوطني في خطوة أراد بها ميتران أن يقضي على إمكانية رؤية روكار في منصب رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولايته الثانية والأخيرة، فهو لم ينس اليوم كل الإنتقادات التي ساقها روكار ضده منها عبارته الشهيرة: العمل السياسي هو عمل حقير لأن من يزاوله يجعله حقيرا في اشارة إلى ميتران. 

غادر ماتينيون وعينه على الإليزيه 

غادر روكار رئاسة الوزراء وهو يأمل في الترشح من جديد لرئاسة الجمهورية عام خمسة وتسعين معتمدا على رصيده السياسي في رئاسة الحكومة فهو استطاع خلال ثلاث سنوات التوصل إلى اتفاق أنهى اعمال العنف في إقليم كاليدونيا الجديدة وكان محببا لدى شريحة كبيرة من الشعب الفرنسي رأت في عفويته السياسية شيئا جديدا، واستطاع  روكار في أكثر من مناسبة أن يخلق جدلا سياسيا كعبارته الشهيرة : 'فرنسا لا يمكنها أن تستقبل وحدها بؤس العالم'.

ميتران كان له بالمرصاد و أفشل كل محاولات روكار بالوصول إلى رئاسة الحزب الإشتراكي ومن ثم الترشح لرئاسة الجمهورية، ليُطوى بذلك آخر فصل في حياته السياسية. 

السياسيون أصبحوا مهرجين

رأى روكار في مقابلة مع صحيفة لو موند عام 2004 أن العمل السياسي في فرنسا لم يعد محترما كما كان عليه سابقا  بعد أن غدا السياسيون مهرجين.  

عارض ترشح سيغولين رويال لرئاسة الجمهورية وهدد بالإنسحاب من الحزب الإشتراكي إن غدت رويال رئيسة له، كان من دعاة التوافق، نادى بالتوصل إلى تفاهم ما بين مرشحة اليسار سيغولين رويال ويمين الوسط آنذاك فرانسوا بايرو لصد الطريق امام نيكولا ساركوزي مرشح اليمين التقليدي عام 2007 رغبة منه في وصول اليسار مجددا إلى الحكم لكنه لم يجد آذانا صاغية. 

بدأت متاعبه الصحية عام 2007  بعد إصابته بنزيف دماغي أثناء رحلة له إلى الهند ثم أصيب بمرض السرطان، لم يخف يوما حزنه بعد تخطيه خريف العمر و قال إن أقسى رحلة في حياته كانت التقدم في العمر، توفي رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق ميشال روكار في 2 من  يوليو  عن 85 عاما بعد مسيرة سياسية استمرت ثلاثين عاما، تاركا اليسار يسارين و واضعا الوديعة في من رأى أنهما إمتداد لمساره السياسي، رئيس الوزراء الحالي مانويل فاليس الذي بدأ اولى خطواته السياسية متدرجا في مكتبه في رئاسة الوزراء ووزير الإقتصاد إيمانويل ماكرون.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار