: آخر تحديث

حرب الرقائق

25
26
20

المعركة المعلوماتية والتقنية الخفية الدائرة تحت السطح بين الأطراف المعنية بصناعة الرقائق تجعل المعلومات المتاحة عنها تحتاج إلى قدر ليس باليسير من التحوط في الاستناد إليها، والتدقيق في مصداقيتها، فضلاً عن كون هذا الطرح أقرب إلى التحليل السياسي منه إلى العرض التقني.

هذه المعركة، وإن كانت في ظاهرها معركة تكنولوجية، إلا أنها في العمق معركة اقتصاد سياسي في المقام الأول. التفوق في هذا المضمار يعنى السيطرة على العالم دون مبالغة أو تهويل، فمعارك الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي المحتدمة بين القطبين الرئيسين تتوقف نتائجها على سيطرة هذا الطرف أو ذاك على هذا المنتج الاستراتيجي الخطير.

تعد الرقائق الإلكترونية بمثابة عقول الآلة الحديثة، بصرف النظر عن وظيفتها، لا سيما تلك المنتجة منذ أوائل القرن أو قبيل ذلك. إنَّها شريحة تتحكم فى وظائفها، وتضبط أداءها، وتقلل من مخاطر تدخل العنصر البشري فيها، وأحياناً لا تحتاج إلى أي تدخل منه على الإطلاق، بدءاً من السيارات ذاتية القيادة وخطوط الانتاج في المصانع وصولاً إلى مركبات الفضاء والصواريخ. ومن دون توافر هذه الشريحة بالمواصفات المطلوبة، تصاب كل المصانع وخطوط الإنتاج لكل الالات والمعدات الحديثة بالشلل التام.

اللاعبون الأبرز في هذا الميدان هم أميركا والصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان (وبعض المصادر تضيف إسرائيل)، بينما تمتلك هولندا، بالتعاون مع بعض دول أوروبا مثل ألمانيا، تكنولوجيا آلات تصنيع الشرائح، وهناك فارق بين تصنيع آلات إنتاج الشرائح  وبين تصنيع الشرائح نفسها. وتنتج اليابان نوعاً أقدم من هذه الآلات، ينتج بدوره بعض الرقائق الخاصة بتشغيل معدات بسيطة، أمَّا النوع الأحدث الذي ينتج الأجيال الأكثر تعقيداً، فتحتكر تصنيعه أو بالأحرى تجميعه هولندا بالتعاون مع بعض الدول الأوروبيَّة  واليابان وتايوان. وتوجد في جنوب هولندا أكبر شركة متخصصة في هذا المضمار في العالم، واسمها ASML، وقد أتيحت لي فرصة زيارة مصانعها وقضيت يوماً كاملاً أجول مندهشاً في أرجائها، وخرجت موقناً أنَّ هذه الصناعة هي ميدان الصراع المحتدم في العقد القادم على الأقل، ليس لأهميتها القصوى فى صناعة جيل جديد من معدات الحرب فحسب، بل لدورها في إنتاج جيل جديد من معدات الحرب المعلوماتية ومعالجات البيانات الهائلة وأساليب الذكاء الاصطناعي وأبحاث النانو وغزو الفضاء والإنترنت.

الأميركيون هم الرواد الأول لهذه الصناعة، يرصدون مئات المليارات في شركات وادي السليكون خشية انحسار هيمنتهم على صناعه اخترقها غريمهم التقليدي الصين بقوة، وهو ما يعتبرونه خطراً داهماً على أمنهم القومي، والحرب لا تزال مستعرة تحت السطح بينهما، وما علينا سوى أن نرقب كمتفرجين.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف