حلّت على الكويت في الثاني من شهر أغسطس الذكرى الـ33 للغزو العراقي من دون أن نشهد مشروعًا رياديًا مشتركًا بين الكويت والعراق لوقف نزيف الجرح الثقافي العميق الذي شهدته العلاقات بين البلدين بعد العام 1990 حتى العام 2023!
لا شك أن قرار الغزو العراقي رسّخ مشاعر العداء النفسي المفتعل عند أطياف عراقية مختلفة ضد الكويت نتيجة تبني سياسي طوعي في عهد صدام حسين لهذا العداء والذي قام بترجمة العداء السياسي والإعلامي إلى عدوان عسكري ضد الكويت.
يجب عدم الاستهانة بحجم الماكينة الإعلامية ابان صدام حسين وتمددها في المجتمع العراقي والعربي أيضًا. فقد صُرفت أموالا ضخمة وسُخرت طاقات بشرية من داخل العراق وخارجه لصناعة العداء ضد الكويت، إضافةً إلى وقوع الإعلام العربي في فخ التعظيم والتبجيل لطاغية بغداد صدام خلال الحرب العراقية-الإيرانية.
فبدلا من التداوي الثقافي والإعلامي بعد الغزو العراقي، زاد عمق نزيف الجرح الثقافي والتشوه في العلاقات الكويتية-العراقية لأسباب شتى من الصعب حصر مسؤوليتها في طرف واحد.
انشغلت الكويت في العمل الدبلوماسي التقليدي دون تغيير في طبيعته وأهدافه وبعيدا عن دائرة إعادة البناء الثقافي والإعلامي، ولا العراق استطاع تقديم البديل الثقافي في ترميم العلاقات مع الكويت ولا معالجة الطرح العدائي ضد الكويت.
لم تتوج، للأسف، مبادرات ثقافية غير رسمية في العراق والكويت بالدعم والنجاح وذلك لعدة اسباب لعلّ أبرزها عدم تمتع العراق بالاستقرار السياسي منذ سقوط نظام صدام حسين حتى اليوم والنار الطائفية التي تغذيها إيران وغياب رؤية ثقافية مشتركة لانتشال البلدين من وحل العداء الإعلامي غير المبررة تاريخياً وثقافياً.
وظلت كثير من المبادرات الثقافية المدنية الهادفة إلى تعزيز روح الحفاظ على هوية وسيادة كل من العراق والكويت وترسيخ القيم الوطنية والإِخاء الشعبي يتيمة بسبب غياب الدور الحقيقي والبناء للمؤسسات الثقافية والسياسية على مستوى الدولتين ومجلس التعاون الخليجي والتنظيمات العربية والإسلامية أيضا.
من الممكن أن تستمر دون نهاية الأصوات العدائية العراقية ضد الكويت حتى لو كانت محدودة على شريحة سياسية وإعلامية عليلة لكنها مؤثرة ويمكنها اغراق النزعات العدائية بالافتراءات والمزاعم الكيدية.
تفرض الضرورات الإقليمية والدولية التحرك المشترك بين العراق والكويت نحو تقديم وتبني مبادرة ثقافية لترميم العلاقات الثنائية وطي فصول من العداء السياسي والمفاهيم المغلوطة لدى شرائح إعلامية وسياسية عراقية التي تطل من حين إلى أخر عبر نوافذ شتى.
ويمكن تبني الكويت والعراق مبادرة ثقافية ريادية على المستوي الرسمي ومنظمات المجتمع المدني في البلدين لمعالجة جذرية للنزيف الذي أصاب العلاقات الشعبية والمؤسسات الإعلامية والسياسية بشكل منظم ودائم وليس عشوائي ومؤقت.
لدينا نخب سياسية وإعلامية في العراق والكويت من اهل الثقافة وذوي الكفاءات والثقل السياسي الذين ينشدون ترسيخ قيم الغيرة الوطنية والإخاء بين الشعبين العراقي والكويتي ويمكنهم أن يكونوا نواة المبادرة الثقافية الريادية لتحقيق ترميم حقيقي للعلاقات بين الدولتين على أسس صلبة.
ويمكن لأكثر من مركز بحثي ومؤسسة ثقافية كويتية وعراقية وخليجية وعربية أن تلعب دورًا مهمًا في قيادة مشتركة للحوار البناء والخطط الإعلامية المثمرة التي من شأنها أن تعزز الوعي لدى كل الأطراف المعنية في بناء جسور من العلاقات الثقافية المميزة بين العراق والكويت.
خطط التثقيف والحوار الثقافي، بلا شك، سيستفيد منها العراق والكويت وكذلك دول مجلس التعاون الخليجي، فمثل هذه المبادرة تتلاقى مع مساعي المجتمع الدولي نحو تحقيق الاستقرار السياسي في منطقة الخليج العربي وخلق شراكة عربية ودولية في مواجهة المشروع الثوري الذي تقوده إيران.
لا شك أن اليقظة والحكمة مطلب مهم للغاية في الحفاظ على القيم الحضارية ومن الممكن أن تكون المبادئ الأساسية التي تنطلق منها المبادرة الثقافية نحو تطوير الحاضر وضمان المستقبل الأمن بين الكويت والعراق، فالتأخير لا يصب في صالح الدولتين والتهاون في معالجة النزيف الثقافي، بلا شك، سيكون مضاعفًا على كافة الأطراف الخليجية والعربية.
*إعلامي كويتي