باستثناء موقف فخامة رئيس الجمهورية الدكتور عبداللطيف جمال رشيد الذي يسعى لاستدعاء السفير التركي في بغداد لإبلاغه بموقف سيادته من الاعتداءات المتكررة من الجانب التركي على الأراضي العراقية، والموقف الشجاع من حرمه السيدة الأولى شاناز ابراهيم أحمد التي استنكرت بوضوح في بيان لها سكوت الحكومة العراقية ازاء الانتهاكات الصارخة من قبل تركيا لسيادة الدولة العراقية، لم يصدر أي رد فعل مؤثر من جانب السلطات العراقية تجاه العدوان التركي المستمر على الأراضي العراقية والذي يشبه تماما الغزو العسكري وإعلان الحرب ضد الدولة العراقية.
فالحرب كما هو متعارف عليه هي غارات جوية وقصف مدفعي وضربات صاروخية وغزو أراضي الغير وعمليات عسكرية مخططة. وهذه جميعها تحصل داخل الأراضي العراقية. ففي تقرير نشره موقع "ذا نيوز عرب" أشار إلى أنه خلال الأشهر الستة الماضية من العام الجاري نفذت تركيا 665 هجوما جويا بالطائرات والمروحيات و(المسيرات) ضد مناطق في إقليم كردستان والجزء الكردي من شمال سوريا بواقع 110 هجمات في الشهر الواحد ما يعادل أربعة هجمات في اليوم..
هذه الهجمات المستمرة من جانب تركيا تشكل انتهاكا صارخا للقوانين الدولية ولمبادئ حسن الجوار بل وحتى للاتفاقية المذلة التي وقعها رئيس النظام السابق صدام حسين مع تركيا في الثمانينات والتي تسمح بتوغل الجانبين في الحدود الدولية لمطاردة القوى المسلحة المعارضة للنظامين التركي والعراقي. والملاحظ أن الجيش العراقي لم يجرؤ يوما على اختراق الحدود التركية ولا مرة واحدة بهدف مطاردة الأحزاب الكردية المعارضة للنظام طوال ثلاثين سنة من توقيع ذلك الاتفاق المذل، في حين أن الجيش التركي استغل هذا الاتفاق للتوغل عسكريا داخل الأراضي العراقية آلاف المرات بذريعة مطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة!.
ولم يكتف الجيش التركي بهذا القدر من التدخل السافر في الأراضي العراقية، بل استغل سقوط النظام السابق ليقيم ما يقرب من 40 قاعدة عسكرية مجهزة بكافة أنواع الأسلحة داخل أراضي إقليم كردستان والذي هو جزء من السيادة العراقية!!. ووصل الأمر في السنوات الأخيرة إلى حد التوغل بعمق الأراضي العراقية من خلال إرسال عشرات المسيرات لتفجير سيارات المواطنين في محافظتي أربيل والسليمانية. هذه التدخلات السافرة والاعتداءات اليومية تجري على قدم وساق وأمام مرأى ومسمع القيادة العراقية الساكتة عن هذه العنجهية والصلافة التركية.
ولم تكتف القيادة التركية بهذه الهجمات العسكرية، بل صعدت من مواقفها العدائية ضد العراق من خلال تعطيش البلد وحرمانه من الموارد المائية التي أصبحت بدورها من أكبر المشاكل التي تواجه العراق وتهدد بتصحره وانعدام العيش في الكثير من مناطقه الجنوبية!. ووصلت الغطرسة التركية إلى حد قطع أشجار الغابات في كردستان العراق بحجة الكشف عن مواقع مقاتلي حزب العمال الكردستاني!. كل هذه الجرائم ترتكبها السلطات التركية ضد العراق في حين تقف الحكومة العراقية عاجزة عن اتخاذ أي موقف يدافع به عن كيانه واستقلاله وسيادته!. حتى إقليم كردستان الذي لا تعترف القيادة التركية أصلآ بوجوده وتصر على وصف حكومته بـ "إدارة الشمال" تقف بدورها مشلولة وعاجزة حتى عن إصدار بيانات التنديد والاستنكار لمقتل العشرات من أبنائها في عمليات القصف الجوي والمدفعي اليومي في كردستان.
وباعتقادي أن هناك الكثير من الأوراق الضاغطة التي تستطيع السلطات العراقية التلويح بها ضد أنقرة لإرغامها على التراجع عن تلك المواقف العدائية، ولا أعرف أسباب عدم استخدامها في مثل هذه المواقف؟!. وأهم تلك الأوراق هي ورقة التجارة المتبادلة، فقد وصل حجم التجارة مع تركيا إلى حدود عشرين مليار دولار سنويا، وقرار واحد بفرض مقاطعة السلع التركية ومنع دخولها إلى البلاد يكفي لإرغام تركيا على مراجعة حساباتها الخاطئة والعودة إلى تحكيم العقل والمنطق في إدامة العلاقة مع العراق!. وكذلك التلويح بورقة دعم مقاتلي حزب العمال الكردستاني المتواجدين في الجبال الحدودية المشتركة تكفي لإفزاع القيادة التركية ودفعها إلى التراجع عن مواقفها العدائية تجاه العراق.
صحيح أن الحكومة العراقية الحالية ضعيفة وغير قادرة على مواجهة تهديدات وتدخلات الجانب التركي أو الرد بالمثل على تلك الانتهاكات، لكن على هذه الحكومة أن لا تنسى بأن هناك منظمات دولية معنية بالانتهاكات للقانون الدولي. فمجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة ومنظمة الاتحاد الاسلامي والجامعة العربية كلها معنية بفرض احترام الدول للقوانين الدولية والحفاظ على السلم والأمن الدوليين. وعليه بإمكان الحكومة العراقية كأضعف الإيمان أن تلجأ إلى هذه المنظمات لفضح تلك الاعتداءات التركية.
لقد لوحت أوساط تركية قومية مرارا بأحقية بلدهم في ولاية الموصل، فماذا لو تجرأت تركيا بغزو حدود هذه الولاية القديمة وفرضت الأمر الواقع على الدولة العراقية كما فعلت سابقا في قبرص وما تفعلها اليوم في شمال سوريا بفرض عملائها هناك؟؟ هل ستسكت القيادة العراقية عن ذلك وترضى بالقضاء والقدر، أم أنها ستهب ولو مرة واحدة للرد على هذه الاعتداءات المتكررة لسيادة الدولة العراقية؟.
الأمر مطروح أمام القيادة العراقية التي تتفاخر بقوات الحشد المليوني وباتفاقيات الأمن والتعاون مع الجانب الأمريكي. فما فائدة تلك الاتفاقيات الأمنية والجيش التركي ينتهك يوميا سيادة الدولة العراقية ويقتل مواطنيها دون أي حساب أو عقاب؟؟؟!!!.