"قيمة السخاء والكرم لهدأة النفس"
صديقي القارئ العزيز
دعني آخذ من وقتك دقائق لتقرأ أو تسمع ما كتبت ولو كان بطريقة الذكاء الاصطناعي التي وفّرتها لنا أيلاف الغالية.
لا تعطِ من منطلق انك كريمٌ عطوف والطرف الآخر معوز وهو بحاجة إليك وأنت قادر على مساعدته وتتخيّل انه لولاك لمات جوعا وبقي عريانا خالي الوفاض.
بل أعطِ من منطلق إنكما بحاجة للآخر، وكلاكما قادران لأن تتبادلا حاجاتكما.
إن لم تكن بحاجة لشيء فأنت حتما بحاجة لأن تشعر بالبهجة والسرور والرضا النفسي اذا ساهمت بمساعدة ذوي الحاجات.
لا يمكن أن يكون هناك سلوك يعطيك بهجة وسرورا أكثر من العطاء نفسه لمن يستحق البذل حقا.
لا تعطِ هدية من مخزونك المادي إلا وتغلّفها بوشاح من روحك ولمسات حانية من يدك وابتسامة تعلو وجهك.
العطاء المادي إذا لم يكن مقترنا بعطاء روحاني وعاطفي وسخاء إنساني لا يكفي ؛ بل قد يؤذي مشاعر الغير وتصاغر النفس ويودي بك الى العجرفة والكِبَر والزهو.
. من يتلقى العطاء هو حسّاس جدا لمشاعرك التي ترافق عطاءك
السائل المُعطى اليه يتحسس في وعيه وفي ساحة اللاوعي عنده ويتفهم مدى فرحك بتقديم المساعدة. ويدرك من ايّ عمق من مشاعرك خرجت عطاياك فالسائل يمتصّ طاقتك التي ترافق ما أهديت.
عندما تعطي مكرها فأنت تؤذي أكثر مما تساعد، وخصوصا عندما تتوهم ان الذي يتلقى العطاء لا يعرف حقيقة مشاعرك وأحاسيسك ودوافعك نحو الكرم والبذخ.
العطاء لا يعني بالضرورة العطاء المادي حصراً وربما يكون العطاء الروحي المعنوي أكثر إشباعا لحاجات المعوز وبلسما مطببا يفوق العطاء المادي.
ومهما شحّت حياتك وقلّ جيبك؛ فلا شك أنك تملك شيئا وغيرك بحاجة له، ولو عزمت ان تمنح ما عندك من فائض الى الطالب المعوز سيزيدك الكريم المُعطي ويعوّضك ما نفد منك.
هذا الشيء قد يكون لطفك، عطفك، حنانك، تحيتك، لمستك الإنسانية ؛ قدرتك على المواساة وأنت تتوّجها بابتسامة جميلة ووجه بشوش ترافق ما وهبتَ.
تقول قصة آسيوية قرأتها قبلا، أن امرأة كانت تملك إنائَي ماء أحدهما مثقوب، ولم يكن يصل بيتها عندما تملأه من النهر القريب سوى الشحيح منه في القعر اذ يتسرب معظمه ويتبدى على الارض مما يجعلها تمتعض وتشعر ان جهدها أصبح سدى.
لكن مع بداية الربيع لاحظت أن بعض البذور قد أينعت وانتشت على امتداد الطريق وأخذت تورق وتزهر بفعل الماء المسكوب.
عندها أيقنت أن ماءها لم يذهب هدرا، فلقد أزهر الطريق وغدا ممشى وفسحة جميلة أشعرتها بالسعادة والغبطة.
وأنت كذلك ايها القارئ العزيز؛ لن يذهب عطاؤك هدرا، مهما كنت بحاجة إليه، بل سيعود ليزهر حياتك ويبعث السرور والبهجة في قلبك ولو بعد حين.
فاعطِ دون أن تتوقع مردودا جرّاء عطاياك وبلا أية مراءاة أو إظهار كرمك امام الآخرين حتى يقولوا انك سخيّ وإلاّ سيفقد العطاء قيمته ومعناه.
اعطِ مثلما أعطتْ تلك المرأة في القصة بعض مائها لتلك الارض المجدبة وسيفاجئك الربيع بحقل من الأزهار لم تكن تتوقعه.
فالسخاء والعطاء يجب أن يعكس إنسانيتك ومحبتك وكرم أخلاقك، لا أن يعكس رأيك بفلان أو فلان او درجة القرابة منه.
كم من الناس تزعم أنها تعطي، ولكنها تعطي وفقا لجدول من الاعتبارات، تحدده آراؤها وميلها نحو هذا وذاك المعوز وفق رؤى عنصرية او مذهبية طائفية ضيقة الأفق.
اكرمْ بعطائك كل محتاج بغض النظر إذا كان محسوبا على جدول اعتباراتك أم خارجه ؛ فالشمس تُوهب ضياءها ودفأها ولا تستثني أحدا مثلما المطر لا يفرّق بيت أرض وأخرى، وكن مثل سخاء الطبيعة فيما تَـهَب، فأنت ابن هذه الأرض المعطاء التي يأكل من ثمارها الجميع وتطعم وتروي البشرية بلا اعتبارات طبقية او جنسية او عقائدية.
هكذا يكون الكرم حينما يتسع ليشمل الأبعدين والأقربين ومن أهلنا وغير أهلنا والغرباء عنا وعن عقائدنا ونسلنا طالما هم في عوزٍ وبحاجة الى من يعينهم.
أليسَ الإنسان أخا الإنسان؟؟