لم يعد خافياً على أحد أن منطقة الخليج العربي بشكلٍ عام، ودولة الإمارات بشكل خاص، قد باتت مركز ثقل كبير للعمل الدبلوماسي الدولي، وقد كان هذا الأمر واضحاً خلال الأسابيع الأخيرة حيث استقبلت الإمارات، العديد من قادة العالم وكبار المسؤولين لإجراء محادثات بشأن التعاون الثنائي وعقد اتفاقات في مختلف المجالات.
الاقتصاد والاستثمارات المشتركة هي العنوان الأبرز لجميع تحركات دول العالم تجاه الإمارات وبقية دول الخليج العربي، ولاسيما أن سياسات هذه الدول باتت تتمتع بمرونة وتنوع وفاعلية وقدرة على إدارة علاقاتها ومصالحها مع جميع القوى الاقليمية والدولية الكبرى بشكل مستقل.
من بين الزيارات التي شهدتها دولة الإمارات في الآونة الأخيرة، هناك الزيارة المهمة، التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ضمن جولة خليجية شملت ثلاث دول هي المملكة العربية السعودية، التي كانت محطته الأولى، وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة، وهو اختيار يعكس أهداف هذه الجولة التي ركزت بشكل تام على الاستثمارات والتعاون الاقتصادي والتجاري بين تركيا وهذه الدول، حيث اصطحب الرئيس التركي وفد كبير من رجال الأعمال الأتراك، يضم نحو مائتي شخص، ليحقق الهدف الذي تحدث عنه الرئيس أردوغان مستبقاً زيارته وهو جذب المزيد من الاستثمار الخليجي إلى تركيا. وأثمرت الجولة عن أكبر عقد دفاعي في تاريخ تركيا تضمن شراء المملكة العربية السعودية طائرات مسيرّة من طراز "بيرقدار"، التي لفتت انتباه جميع الخبراء والمتخصصين في العالم بفاعليتها وقدراتها القتالية والعملياتية المبهرة في نزاعات مختلفة حول العالم، لاسيما فيما يتعلق بمكافحة التنظيمات المسلحة وخوض الحروب غير التقليدية.
الإمارات وتركيا وقعا مذكرات تفاهم واتفاقيات بقيمة نحو 50 مليار دولار في قطاعات مختلفة، وهو رقم كبير يعكس التطور الذي ارتقت إليه علاقات البلدين، وحيث لا يعد الرقم المؤشر الوحيد على هذا التطور بل هناك الاحترام والتقدير المتبادل بين قيادتي البلدين، حيث أهدى صاحب السمو رئيس دولة الإمارات نظيره التركي أرفع وسام بالبلاد، وهو وسام زايد، تقديراً للجهود التي بذلها في تعزيز علاقات الصداقة والتعاون الثنائي بين البلدين وازدهارها على جميع المستويات. وقال صاحب السمو رئيس الدولة ـ حفظه الله، إن منح "وسام زايد" يعد تعبيرا عن شكر وتقدير لجهود الرئيس التركي الاستثنائية التي بذلها في تنمية علاقات الصداقة التاريخية الراسخة والتعاون المشترك بين البلدين وعما تكنه الإمارات له من تقدير شخصي ومودة واحترام.
إستقبلت دولة الإمارات أيضاً رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، ورئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا، وهي زيارات تعقب زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ إلى روسيا حيث شارك سموه في منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي، والتقى الرئيس فلاديمير بوتين للبحث في تطوير علاقات الشراكة الاستراتيجية المتنامية التي تجمع البلدين.
العلاقات الإماراتية ـ التركية تتطور وتتعمق بشكل متسارع، حيث اٌعلن عن اتفاق مشترك لانشاء "لجنة استراتيجية عليا" بين البلدين، وهو مايعني أن هناك علاقة استراتيجية قوية تتشكل معالمها، وأن هذه العلاقة ستسهم حتماً في مجمل التغيرات والتحولات الاقليمية الجارية.
هذه الزيارات المتنوعة من دول العالم بأطيافها المختلفة، تعكس مكانة الإمارات كمركز للحوار واقامة الشراكات، تسعى مختلف دول العالم لتعزيز علاقاتها معه، وهو ما تحدث عنه الرئيس أردوغان حيث أشار إلى طفرة هائلة في التعاون والاستثمارات المشتركة على قاعدة "رابح ـ رابح"، معتبراً أن عام 2023 هو عام الفرص على صعيد التبادل التجاري والتعاون الاستثماري، ومشيراً إلى "حزام سلام واستقرار" يسعى إلى تشكيله لضمان أمن بلاده الاقتصادي.
زيارة رئيس الوزراء الهندي للإمارات أيضاً تنطوي على أهمية إستراتيجية بالغة سواء بالنظر إلى ثقل الهند ومكانتها الإقليمية والدولية المتنامية، أو بالنظر إلى تنامي شراكتها الإستراتيجية مع دولة الإمارات، حيث يلاحظ تنامي التعاون وتزايد الزيارات المتبادلة بين قادة ومسؤولي البلدين خلال الأعوام الاخيرة، حيث اتفق البلدان مؤخراً على زيادة التجارة البينية غير النفطية لتصل إلى 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030، كأحد أبرز نتائج إتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة، التي دخلت حيز التنفيذ في مايو 2022، وهو طموح ليس ببعيد في ظل الاحصاءات التي تشير إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين قد بلغ نحو 84 مليار دولار العام الماضي. وكان توقيع اتفاق تسوية المعاملات التجارية باستخدام الروبية الهندي والدرهم احد أبرز علامات زيارة رئيس الوزراء الهندي للإمارات.
وفي زيارته الأولى منذ توليه منصبه، استهدف فوميو كيشيدا رئيس الوزراء الياباني في زيارته للإمارات، وضع أسس قوية لتعزيز العلاقات بين البلدين للخمسين عاماً المقبلة، مشيراً إلى عمل مشترك لتعزيز المنطقة لمركز عالمي لسلسلة توريد الجيل الجديد من مصادر الوقود والموارد المعدنية، وتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الإمارات التي تحتضن أكبر عدد من المغتربين اليابانيين في المنطقة، فضلاً عن حوالي 340 شركة يابانية.
مجمل نتائج هذه الزيارات تشير إلى أن المسألة لا تتعلق بتحركات أو زيارات بروتوكولية، بل بعمل مشترك بين الإمارات والدول الصديقة وفق خطط طموحة للغاية، وهذا كله يعكس الثقة والمكانة التي تتمتع بها دولة الإمارات لدى شركائها الاستراتيجيين، ويرسخ مكانتها كمركز ثقل للعمل الدبلوماسي والتعاون الدولي في المجالات كافة.