إعادة فتح الاقتصاد الصيني، وحاجة الولايات المتحدة إلى تجديد احتياطي النفط الاستراتيجي، والخسارة المحتملة للإمدادات الروسية، تدعم نموا قويا في الطلب على النفط وفجوة في العرض.
في هذا الجانب، قالت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الشهري الأخير عن سوق النفط، "إن إعادة فتح الاقتصاد الصيني من المتوقع أن يدفع الطلب العالمي على النفط هذا العام إلى مستوى قياسي مرتفع يبلغ 101.7 مليون برميل يوميا، بزيادة 1.9 مليون برميل يوميا عن 2022". ما يرفع تقديراتها لنمو الطلب على النفط في 2023 بمقدار 200 ألف برميل يوميا مقارنة بتوقعاتها في كانون الأول (ديسمبر). وأضافت الوكالة في تقريرها لكانون الثاني (يناير)، أن ما يقرب من نصف نمو الطلب على النفط هذا العام سيأتي من الصين بعد أن رفعت بكين القيود المفروضة على جائحة كورونا.
من ناحية أخرى، تركت "أوبك" توقعاتها للعرض والطلب على النفط لـ 2023 دون تغيير للشهر الثاني على التوالي وأعادت مرة أخرى إبراز الشكوك حول النمو الاقتصادي العالمي وتوقعات إنتاج النفط الروسي. لم تتغير توقعات المنظمة لنمو الطلب العالمي على النفط عند 2.22 مليون برميل في اليوم لهذا العام. على الرغم من أن تقرير "أوبك" الأخير يشير إلى أداء أفضل للاقتصاد الصيني على خلفية رفع قيود كورونا، إلا أن المجموعة خفضت توقعاتها لنمو الطلب الصيني على النفط بمقدار 20 ألف برميل في اليوم مقارنة بتقريرها السابق إلى 510 آلاف برميل في اليوم. يتوقع التقرير الآن أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى 101.8 مليون برميل في اليوم في 2023، ارتفاعا من 99.55 مليون برميل في اليوم في 2022. لكن توقعات المنظمة تخضع إلى عديد من أوجه عدم اليقين، بما في ذلك التطورات الاقتصادية العالمية، والتحولات في سياسات كورونا واستمرار التوترات الجيوسياسية.
خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس قال مسؤول صيني كبير إنه من المرجح أن يعود ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر مستورد للنفط هذا العام، إلى مستويات نمو ما قبل الوباء مع مرور ذروة الإصابات بفيروس كورونا. لكن هيثم الغيص الأمين العام لمنظمة "أوبك" قال في مقابلة على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي، "إنه متفائل بحذر" بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي، حيث إن تعافي الطلب على النفط في الصين يقابل بوادر عدم استقرار في دول أخرى. ينبع التفاؤل الحذر من تخفيف قيود كورونا في الصين وإعادة فتح الحدود الصينية في وقت سابق من هذا الشهر. وقال الغيص "نرى بوادر خضراء"، و"نحن متفائلون، لكننا متفائلون بحذر". ووفقا للغيص، توقعات الطلب الصيني الأكثر تفاؤلا تعوض إلى حد ما المخاوف المستمرة بشأن الاقتصادات المتقدمة، حيث يمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى تباطؤ كبير وحتى ركود. مع ذلك، أكد أمين عام "أوبك" أن المنظمة ستفعل "كل ما يلزم" للحفاظ على توازن أسواق النفط العالمية في 2023.
من العوامل الأخرى التي تدعم الطلب على النفط هذا العام هو رغبة الولايات المتحدة في تجديد احتياطي النفط الاستراتيجي. وفقا للتقديرات الأولية لوزارة الطاقة الأمريكية، قد ترتفع مخزونات النفط في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بنهاية 2023 بـ3.7 في المائة مقارنة بمستوى نهاية 2022. تخطط الإدارة الأمريكية لإجراء عمليات شراء للاحتياطي الاستراتيجي بأسعار 67 إلى 72 دولارا للبرميل وأقل. تم إعلان الخطط لتهدئة مخاوف المنتجين من عدم يقين الطلب في الأعوام المقبلة وتشجيع صناعة النفط الصخري الأمريكية على الاستثمار في زيادة الإنتاج على المدى القصير. من المتوقع أن يبدأ تجديد الاحتياطيات اعتبارا من الربع الأول من هذا العام، ويمكن شراء نحو 60 مليون برميل في النصف الأول من العام.
على جانب العرض، لا تزال الأسواق قلقة بشأن التأثير المتوقع للعقوبات الغربية الأخيرة على إمدادات النفط الروسية. حيث من المرجح أن تؤدي الخسارة المحتملة للإمدادات الروسية واستئناف نمو الطلب الصيني إلى تشدد سريع في أسواق النفط.
في ضوء هذه التطورات، تشهد أسواق النفط تفاؤلا حذرا. حيث إن مخاطر الركود تحد من ارتفاع الأسعار، على الرغم من تعافي الاقتصاد الصيني. منذ بداية العام، تعافت الإمدادات الروسية تقريبا من الانخفاض الذي شهدته في ديسمبر، لكن هذا قبل الحظر المفروض على المنتجات البترولية، الذي سيدخل حيز التنفيذ في الخامس من شباط (فبراير). في هذا الجانب، يختلف المحللون في تقييماتهم بشأن هذه المسألة، ولا يمكن تقييم الأثر الحقيقي للقيود إلا في وقت قريب من آذار (مارس).
على المدى القصير قد تستمر أسعار خام برنت في التعافي إلى منطقة 90 دولارا للبرميل. لكن لا يوجد دعم كاف لتحقيق ارتفاعات أكبر. بشكل عام، سوق النفط العالمية بدأت العام الجديد بشكل إيجابي، فقد ارتفع سعر خام برنت من 78.1 إلى أكثر من 87 دولارا للبرميل، وارتفع سعر خام غرب تكساس الوسيط من 73.14 إلى أكثر من 81 دولارا. المحرك الإيجابي الرئيس هو التوقعات في تعافي الطلب الصيني.
في هذا الجانب، أظهرت البيانات الأولية المنشورة عن واردات النفط الخام إلى الصين في ديسمبر زيادة 2.8 في المائة على أساس شهري و4.2 في المائة على أساس سنوي إلى 48.07 مليون طن. حصص الاستيراد الصادرة لشركات التكرير المستقلة في 2023 أعلى 21 في المائة من مستوى العام الماضي، وهو ما يؤكد مرة أخرى زيادة خطط استيراد النفط إلى البلاد.
ومن المخاطر الإضافية التي تواجه الإمدادات تسقيف أسعار النفط الروسية، التي تم فرضها في أوائل ديسمبر من العام الماضي. بالفعل، انخفضت صادرات النفط من روسيا في الشهر الماضي، لكن وفقا للبيانات الأولية، كانت تتعافى بشكل سريع منذ بداية هذا العام. وبحسب نائب رئيس الوزراء الروسي، لا يواجه المنتجون الروس أي مشكلات مع التعاقد على النفط لفبراير 2023.
ومع ذلك، فإن تسقيف أسعار المنتجات النفطية الروسية التي خططت لها دول مجموعة السبع في فبراير بالتزامن مع فرض دول الاتحاد الأوروبي حظرا على إمداداتها من المنتجات، قد يؤدي في الأشهر المقبلة إلى زيادة حادة في عجز سوق المنتجات النفطية. من المتوقع أن يستمر هذا العجز حتى بداية الصيف، مع انتهاء موسم الصيانة. وبالتالي، فتح الاقتصاد الصيني، إلى جانب التجديد المحتمل لاحتياطيات النفط الاستراتيجي الأمريكي مع تزايد مخاطر خفض الإمدادات من روسيا، فضلا عن سياسة "أوبك +"، ستدعم جميعها ارتفاع الأسعار في الأشهر المقبلة.