الحديث عن أي تغير بسعر سلعة أو منتج أساسي هو من أهم ما يتم تداوله بين المستهلكين لأنه يمس تكاليف المعيشة سواء كان ذلك بانخفاض أو ارتفاع الأسعار ولذلك تجد اهتمام المستهلك كبيراً بالعروض التي تقدمها المتاجر وفي الأيام الماضية ارتفعت أسعار مادة الحليب ومشتقاته من قبل بعض المنتجين المحليين وهو ما كان محل نقاش حول منطقية رفع الأسعار من عدمها رغم صدور بيانات توضح سبب رفع السعر من قبل المصنعين ولكن أهم ما يلفت النظر بكل وجهات نظر المستهلكين الذين استغربوا تغير السعر هو سؤالهم عن أثر التحفيز لتلك الشركات على مدى سنوات طويلة ولماذا لم يتطور أداؤها التشغيلي ليستوعب أي متغيرات فالتضخم سمة عالمية ونعيش أحد فصوله هذه الفترة في كل الاقتصادات دون استثناء فالعوامل الداعمة لطول فترة التضخم عالمياً مازالت قائمة وسياسات البنوك المركزية الكبرى بتشديد السياسة النقدية لم تعط أثراً كبيراً بخفض التضخم لأن أسبابه ذات أبعاد سياسية كالحرب الروسية الأوكرانية والتي أثرت على أسعار الطاقة وإمدادات الحبوب وأسعارها والتي تعد سلع رئيسية يمتد أثرها بالعالم لمنتجات غذائية عديدة إضافة لعدم حل مشكلة سلاسل الإمداد التي تسببت بها جائحة كورونا.
فما يحدث بالعالم ويمتد أثره لكل الدول بشكل مباشر وغير مباشر يطرح سؤالاً حول مدى ضرورة أن يطلب من الشركات المحلية القيام بعمل اختبار تحمل أو إعادة دراسة جدوى لنشاطها بدون أي تحفيز أو دعم لكي تتمكن من معالجة تكاليفها وخفضها لتبقى منافسة ولديها القدرة على الاستدامة فصناعة الغذاء تعد من أهم ركائز الأمن الغذائي وجائحة كورونا وما تسببت به من تعطل بسلاسل الإمداد بينت أهمية رفع نسبة الإنتاج الغذائي المحلي بكل الدول فما مثل مفارقة غريبة قيام البعض بمقارنة محدودية ارتفاع السعر للحليب ومشتقاته بمبلغ يرونه زهيداً مثل نصف ريال لبعض المنتجات رغم أن هذا الرقم البسيط شكلاً يمثّل نسبة تقارب 25 إلى 30 بالمائة ارتفاعاً بسعر المنتج مع منتجات غذائية كمالية أي ليست ضرورية أو أساسية، فهناك فرق بين سلع كمالية وأساسية أو بين سلع مرنة يمكن الاستغناء عنها وغير مرنة لا يمكن الاستغناء عنها مهما ارتفع سعرها لأنها أساسية للصحة وللتغذية إلا أن الأهم من كل ذلك هو اعتقاد من يضعون هذه المقارنات بأن الأثر منحصر بالسعر للمنتج عند شرائه لاستهلاكه على حالته كالحليب أو الأجبان إلا أن الأثر يتعدى ذلك ليصل للمنتجات الأخرى التي يدخل بتركيبتها الحليب ومشتقاته كالحلويات والمعجنات وغيرها فكل هذه المنتجات سترتفع تكاليف إنتاجها أي أن الأثر متشعب ومتعدد مما يظهر أهمية النظر بوجود نماذج تقيس أثر المتغيرات بالأسعار على الاقتصاد وليس بالضرورة أن تكون فقط من مسؤولية جهة حكومية مختصة بالشأن الاقتصادي، بل يفترض أن يكون هناك نماذج تضعها مراكز بحث تابعة للبنوك والمؤسسات المالية أو الجامعات لكي يكون هناك قراءات عديدة لواقع السوق وأثر تغير الأسعار فيه وانعكاس ذلك على الاقتصاد ومثل هذه التقارير الدورية عندما تصدر تغذي السوق بالمعلومات التي يستفيد منها المستهلك والتاجر.
نشر مثل هذه المعلومات يمثّل أهمية بالغة لرفع وعي المستهلك إضافة إلى أنه يمكن من خلاله وضع قباسات دقيقة لميزانية الأسر إضافة إلى أن التاجر أيضا يستفيد من ذلك بتقدير تكاليف نشاطه لأنه أيضاً هو مستهلك بنفس الوقت كما أن المقبلين على التجارة وتأسيس مشاريع بنشاطات مختلفة ستتعزّز لديهم القدرة على حساب تكاليف نشاطهم ويستطيعون معرفة أي تغير بالأسعار بدقة أكبر، فالجهات حكومية ذات العلاقة لديها بالتأكيد نماذج عمل لقباس تغير الأسعار وذلك لدعم اتخاذ القرار، لكن ما يحتاجه السوق أن يكون هناك تقارير منشورة بشكل دوري وصادرة من جهات عديدة خصوصاً المؤسسات المالية والجامعات ومراكز الأبحاث.