: آخر تحديث

في سوريا.. فقر جوع وتشرّد!

65
65
69

فقدان صديق أو أخ عزيز أو زميل مفارق، لم يعد جديداً في ظل القيادة السورية الظالمة التي حكمت البلاد بالحديد والنار على مرّ السنوات الماضية، وما زالت عصاباتها وأجندتها والمرتزقة التابعين لها يخرجون لنا ويومياً، بالإعلان عن وفاة عمرو وزيد من الناس نتيجة وضع صحّي قائم، او مرض ألمّ به وأقعده في السجن فترة مبعدة من الزمن ـ حسب ادعاءاتهم ـ وهذه النهايات الدرامية لم تعد تنطلي على ابن سوريا الذي حفظ أمثال هذه الألاعيب عن ظهر قلب، وهو الذي عاشها ويعرفُ خباياها ومنذ سنوات، وإن كثيراً من الأسر السورية فقدت ـ وبدمٍ بارد ـ سواء ابن لها، صديق أو زميل، قريب أخ وهكذا دواليك، ولم يخلص من أيدي هذه الطغمة المجرمة الفاسدة أيّاً كان!.
العجز الذي أصاب القيادة السورية الذليلة، وكل من والاها والتحق بها، وانضوى تحت أجنحتها، وما زالنا نرثي حالها مع تزايد أعداد الموتى والبطش بهم، الذين نسمع عنهم، وبصورة يومية، وتتسابق أجهزة الأمن القمعية بالإبلاغ عن هؤلاء المساكين الذين اودعوا السجون لسنوات ظلماً، ولم يعرف أحد عنهم شيئاً، أو يعلموا أهلهم عن مصيرهم وعن التهمة التي جعلت منهم، وللأسف، كبش فداء كرمى لخاطر النظام السوري المجرم الذي لم يفرّق يوماً بين المجرم الذي يستحق العقاب، والآخر البريء الذي لا يقدر على تأمين قوت يومه!. كل ما يهمه الاقتصاص من هؤلاء الناس الأبرياء، وإلقاء التهم عليهم جزافاً لإرضاء قادتهم، وبدون مبرر ولا يجرؤ أحد على التساؤل عن مصير ابنه أو أخيه.. وهذا ما حدث ويحدث للكثير من شباب سوريا اليوم الذي ظل مصير الأغلبية منهم مجهولاً، ومنهم من غيبوا في السجون، وعذّبوا وكان الموت مصيرهم المحتوم بدون واعز من ضمير أو أخلاق تردعهم!.
وفي ظل هذا فإنّ أغلب أهلنا هناك يعيش الفاقة، وبكل (مقرفاتها).. وفي أماكن اللجوء، التي وصل إليها أبناء سورية، فقد تغير الحال كثيراً، سواء أكان ذلك بالنسبة إلى الذين لجأوا إلى دول أوربا، (بلاد النعيم)، أو إلى الولايات المتحدة الأميركية، كندة، استراليا، البرازيل، وفي العالم العربي الذي هو الآخر استقطب أعداداً كبيرة منهم.
بعد هذا الذي جرى، ويجري اليوم على الأرض السورية، ماذا يمكن أن نقول عن مصير مئات الآلاف، بل الملايين الذي هجّروا عنوةً، ومنهم من تمكّن من الفرار من جلادين النظام والأسى الذي يعانون، والفقر المدقع الذي لمسوه بأيديهم، وندرة من فضّل البقاء في الوطن، ليس حبّاَ فيه وإنما بسبب الخوف والرعب من المجهول؟.
إنَّ ندرة توافر السيولة المادية بين أيدي الناس وقفت حجر عثرة في طرق أبواب الاغتراب، والهروب من وجه النظام الطاغية وزبانيته المستفيدة، جهاراً من جيب المواطن "المعتّر"، وما زالوا، وإلى اليوم يعبثون في خيرات البلد التي اغتنموها وعاثوا فيه فساداً، وها هي النتيجة التي وصلوا إليها بدءاً من غلاء المعيشة، غير الطبيعي، بحيث وصل سعر الدولار مقابل الليرة السورية سقف الـ 4500 ليرة، في حين أنّ سعر الدولار لم يكن يتخطَّ عتبة الـ 50 ليرة خلال الفترة التي سبقت الأزمة التي عاشها ابنها، إلى الانهيار الاقتصادي الكلي، والعسف بحقوق المواطن!.
الصورة المحزنة التي ينقلها لنا أهلنا وأخوتنا في الداخل السوري، فيها الكثير من المعاناة، ولكن ما العمل، فقد جبلوا عليها وأصبحت جزءاً من معيشتهم، وحتى أحلامهم!.
ولم يكن المواطن في سورية، في يوم ما أن حَلم، ولو مجرد حُلم، من أن يصل به الحال إلى هذه الصورة التي بات يعيشها اليوم، ويعرفها الجميع سواء في الداخل أم في الخارج، وسواء أكانوا مهاجرين أم متشبّثين فيه!.
إنّهم صاروا جزءاً من واقع أليم هشّ، وهاهم يتعايشون فيه برغم أنوفهم، وأغلبهم يفضّل الفرار بنفسه ولكن؟.
تظل هناك حواجز من الصعب تجاوزها، وبصورة خاصة من أمثال الكثير بالنسبة للمتزوجين منهم الذين لديهم أسر كبيرة، وحتى المسؤولين عن الأسر الصغيرة، فإلى من يترك هؤلاء أطفالهم وزوجاتهم والفرار من جحيم الفاقة والعوز الذي يعانون، والمطاليب اليومية التي لا تنتهي؟!.
أمثال هؤلاء، وغيرهم كثير فضّل العيش إلى جانب أسرته، مفضلاً الموت البطيء عن السفر، والهجرة إلى بلاد بعيدة يجهلها لكثير من الأسباب، ومن أهمها وفي مقدمتها، مَن مِن هؤلاء يملك القدرة على تركهم للحاق بركب الهجرة؟ وكيف سيكون مصيرهم من بعده؟ وكيف يعيشون، ومن يلبي طلباتهم؟ ومن يرأف بحالهم؟. ومن هو المسؤول عنهم في حال غيابه؟، وكيف سيتدبرون أمورهم؟. 
هذا ما دفع ربَّ الأسرة الفقيرة، على ــ وجه التحقيق ــ من الإبقاء في بلده والعيش في خذلان، والقبول بالواقع والالتزام بأيّ عمل مهما كان دنيئاً، وبأجر بسيط لأجل خاطر عيون أطفاله، وهذا ما يحدث اليوم في سورية التي تلاشت!.
سورية التي لم تعد نعرفها، ورغم كل هذا الدمار والخراب والفقر الأسود، والعيش الذليل فإن المواطن السوري تشبّث في أرضه، برغم عنه، وليس عن طيب خاطر بل رضا بالمقسوم..
أنقل هذا الكلام من رحم المعاناة التي يُعاني منها ابن سورية، الذي تحمّل وعلى مضض هذا الواقع المرير منذ عشرات السنوات في ظل هذه الحكومة التي لا تعرف الرحمة، وكل همّها قهر المواطن السوري وعزله، وتركه على الرف، وإذلاله!
وما دام النظام القاتل في سورية يمارس أدوات القمع والتصفية العلنية، وبكل هذه القسوة، بعيداً عن أي اسلوب آخر، وهذه صفحته وما لمسناه لدى الأصدقاء والأقارب ممن مورس بحقهم أعتى ألوان القمع والعذاب، فكان مصير أغلبهم الموت الزؤام، فضلاً عن أن النظام يلجأ إلى اخفاء جثث المتوفين منهم ولا يعلم أحد بموتهم إلّا بعد مضي زمن يتجاوز الشهرين والثلاثة أشهر!.
إنَّ الواقع الحالي في سورية، وما يمارس بحق أهلنا الآن من قتل وتشريد واقصاء وإذلال وعوز فإن مصيرهم لا شك بات السجن هو مأواهم الأخير، وما يترافق ذلك من نهاية صار يعرفها الجميع. القتل أهونها، واستعمالهم ألوان منوعة من الممارسات القمعية التي يتبعها النظام وأزلامه بهدف الحفاظ على مكانته، وكرسيه الذي لا بد أنّه إلى زوال طال الزمان أم قصر!
ليكن الله في عون أهلنا في سورية الذين تحمّلوا، وعلى مضض، الفقر والجوع والخنوع والألم الذي لم يخلص منه أحد، في سبيل سوريا والحفاظ عليها، بعيداً عن بشار الأسد الحاكم الظالم الذي أوقع الكثير في أتون التخلف والعودة بها إلى الوراء سنوات، وما زال الظلم يتكرّر يوماً بعد آخر، في ظل السجون المعتمة التي يقبع خلف قضبانها أناس أبرياء لا حول لهم ولا قوة.. والناس بانتظار مصيرها المجهول، فضلاً عن العوز الحقيقي، والغلاء المستشري الذي لم يعد يطاق!.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي