كريستالينا (البرازيل): تبدو حقول القطن من بعيد وكأنها غطاء ثلجي يمتد على مساحات واسعة جانبي الطريق المؤدية إلى كريستالينا في ولاية غوياس الريفية وسط البرازيل.
ويعكس هذا المشهد في منطقة عُرفت بحفول الذرة وفول الصويا، توجهاً جديداً للزراعة البرازيلية يتمثل في إنتاج القطن الذي يوصف بأنه "مستدام" لأنّ زراعته تتسم بالإقلال من استخدام المبيدات، لإرضاء فئة جديدة من المستهلكين.
وتُعتبر البرازيل ثاني أكبر دولة مصدّرة للقطن في العالم بعد الولايات المتحدة بينما تحتل المرتبة الأولى في إنتاج القطن الذي يوصف بـ"المستدام"، إذ أن نسبة 84% من الكمية المنتجة تحظى بشهادة مطابقة لمعايير الاستدامة من مبادرة "بيتر كوتون إنيشاتيف" غير الربحية. ويُباع هذا النوع من القطن بأسعار تفوق بـ10% تلك الخاصة بالقطن العادي.
وتقول كريستينا شيتينو، وهي عالمة حشرات من جامعة برازيليا ومتخصصة في زراعة القطن، لوكالة فرانس برس إنّ "المزاج العام تغيّر، ولم يعد الناس يرغبون في استهلاك منتجات لا تحترم دورات الطبيعة".
ويسعى الأشخاص الذين يعوّلون على هذا القطن المصنف "مستداماً" إلى تحسين صورة البرازيل في الخارج بعدما شُوّهت منذ وصول الرئيس اليميني المتطرف جايير بولسونارو إلى السلطة، إذ زادت وتيرة قطع أشجار الغابات في البرازيل منذ توليه الحكم في كانون .الثاني/يناير.
وتتمتع زراعة القطن بسمعة سيئة إذ ترتبط تاريخياً بالعبودية المُمارسة في حق العمال داخل مزارع كبيرة في الولايات المتحدة، في حين توجه إليها الانتقادات اليوم لحاجتها إلى كميات كبيرة من المياه ومبيدات الحشرات.
ووضع اتحاد منتجي القطن البرازيليين (أبرابا) سنة 2015 بروتوكولاً يوجه المزارعين لاعتماد ممارسات إيجابية كتدريبهم على إدارة استخدام المياه والمبيدات الحشرية بطريقة تكون فاعلة في الزراعة وبكميات غير كبيرة، بالإضافة إلى إيلاء الأولوية للأسمدة الطبيعية.
ويقول رئيس الاتحاد مارسيو بورتوكاريرو إنّ البروتوكول هو عبارة عن "عملية إعادة تأهيل، إذ كان المزارعون أساساً يسعون لتحقيق أقصى نسبة ممكنة من الأرباح. أما اليوم فنشرح لهم أنّ الإنتاج المستدام يؤدي بشكل قاطع إلى تدفق الطلب على القطن".
عمال يأخذون عينات من بالات القطن في مزرعة بامبلونا في كريستالينا ، البرازيل ، في 14 تموز\يوليو 2022
مزرعة كريستالينا
وتضم كريستالينا الواقعة على بعد 130 كيلومتراً من العاصمة برازيليا، مزرعة باملونا التي تديرها شركة "إس إل سي أغريكولا" وتُعد إحدى أهم مزارع القطن في البرازيل.
ووسط 27 ألف هكتار من الأراضي الزراعية، تبرز مجموعة من المباني تشكل بمثابة قرية صغيرة وسط الحقول.
وتضم المزرعة كذلك حديقة للأطفال وملعباً لكرة القدم ومرافق ترفيهية أخرى مخصصة للموظفين المقيمين فيها.
ويؤكد منسق الإنتاج في المزرعة دييغو غولدشميت أنّ الهدف من وسائل الراحة المُتاحة للعمال هو استمرارهم في العمل طويلاً في المزرعة وتجنب تغيير الموظفين بصورة دائمة.
وتجري خلف غولدشميت عمليات تغليف حُزم ضخمة من القطن ووضع رمز شريطي عليها يوفر كل المعلومات عن المنطقة التي زُرع فيها المنتج والشروط المُعتمدة في زراعته.
ويشير غولدشميت إلى أنّ هذه الكمية "مُباعة أصلاً"، لافتاً إلى انّ 99% من الإنتاج يُخصص للتصدير. اما السنة الفائتة، فصدّرت المزرعة 600 ألف طن من القطن.
ويتيح برنامج تتبّع طورته المزرعة بالشراكة مع علامات تجارية خاصة بالملابس للمستهلكين أن يتابعوا مراحل الإنتاج كلها.
رش المبيدات
ويستخدم منتجو القطن "المُستدام" طائرات مسيّرة لرش المبيدات بطريقة أكثر فاعلية.
ومع ذلك، تشكل زراعة القطن إحدى أكثر الزراعات التي تتطلب كميات كبيرة من مبيدات الحشرات، فهي تحتاج في المتوسط مثلاً إلى ضعف كمية المبيدات المُستخدمة في هكتار واحد من فول الصويا. ويرجع السبب في ذلك إلى انتشار السوس والطفيليات فيها والتي يصعب القضاء عليها باستخدام المنتجات الطبيعية.
وتوضح كريستينا شيتينو التي تجري بحثاً عن البدائل المُتاحة للقضاء على هذه الحشرات أنّ "زراعة القطن تعتمد كثيراً على المواد الكيميائية التي تتسبب بضرر للبيئة".
ويؤكد اتحاد منتجي القطن البرازيليين أنّ 34% من المبيدات الكيماوية استُبدلت خلال العملية الزراعية الأخيرة بمنتجات طبيعية.
وتحتل حقول القطن مساحة من البرازيل تبلغ حوالى 1,6 مليون هكتار، فيما أنتجت نحو 2,4 مليون طن من القطن خلال الموسم الأخير خُصص 69% منها للتصدير إلى الخارج وتحديداً إلى الصين وفيتنام وباكستان وتركيا.
وزادت كمية الصادرات 15 مرة مدى السنوات العشرين الأخيرة، فيما يسعى اتحاد منتجي القطن البرازيليين إلى جعل البرازيل المصدّر الرئيسي في العالم والتقدم على الولايات المتحدة بحلول عام 2030.