اعتبر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون أنّ إعلان الحكومة الإسبانيّة في الثامن عشر من آذار – مارس الماضي دعمها لخطّة الحكم الذاتي للصحراء المغربيّة “غيّر كل شيء” في العلاقات الجزائرية – الإسبانية. في استطاعة تبون أخذ الجانب المضيء الذي طرأ على الموقف الإسباني والانضمام إلى موقف مدريد من الصحراء المغربيّة بدل الاعتراض عليه.
كان أجدر بالرئيس الجزائري الاعتراف بأنّ على بلاده نفسها التخلي عن أوهام عانت منها طويلا، كما عانى منها الصحراويون الذين تحتجزهم السلطات الجزائرية في مخيّمات البؤس في تندوف. كان يفترض به الدفع في اتجاه العيش الكريم لهؤلاء على غرار عيش الصحراويين بكرامة، مثلهم مثل أي مواطن مغربي، في الأقاليم الصحراوية داخل المملكة المغربيّة.
يعيش المواطنون في الأقاليم الصحراوية المغربيّة وهم يحظون بكلّ الاحترام الذي يحظى به المواطن المغربي في بلده، بعيدا عن شبح الاستغلال والاحتقار والبؤس وتجنيد الأطفال على حمل السلاح واستخدامه كما يحصل في مخيمات تندوف.
غيرت إسبانيا موقفها الرسمي إزاء نزاع الصحراء المغربية لمصلحة المغرب. في الواقع تصالحت إسبانيا مع نفسها عندما أيّدت مشروع الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب لحل هذا النزاع. تسبب ذلك في توتر العلاقات بين إسبانيا والجزائر التي استدعت سفيرها لدى مدريد، وربطت عودته بتقديم الحكومة الإسبانية “توضيحات مسبقة” بشأن الأسباب التي جعلتها تغيّر موقفها وتتخذ جانب الحقّ.
في مقابلة مع وسائل الإعلام الوطنيّة، قال الرئيس الجزائري قبل أيّام إنّ التحوّل في موقف إسبانيا تجاه قضيّة الصحراء المغربيّة “غير مقبول أخلاقيا وتاريخيا”.
وأضاف “لن نتدخّل في الأمور الداخليّة لإسبانيا، لكنّ الجزائر كدولة مراقبة في ملفّ الصحراء المغربيّة، كذلك الأمم المتحدة، تعتبر أنّ إسبانيا القوّة المديرة للإقليم طالما لم يتمّ التوصّل إلى حلّ” لهذا النزاع. أكد تبون أنّ الجزائر “لها علاقات طيّبة مع إسبانيا”، لكنّ الموقف الأخير لرئيس الحكومة الإسبانيّة بيدرو سانشيز من القضيّة الصحراويّة “غيّر كل شيء”. تابع تبون “نطالب بتطبيق القانون الدولي حتّى تعود العلاقات إلى طبيعتها مع إسبانيا التي يجب ألا تتخلّى عن مسؤوليتها التاريخيّة، فهي مطالبة بمراجعة نفسها”.
ينسى الرئيس الجزائري أن من عليه مراجعة نفسه هو الجزائر التي ترفض الاعتراف بأنّها الطرف الأساسي في نزاع الصحراء وأنّ لا وجود لشيء اسمه جبهة “بوليساريو” وأن كلّ ما في الأمر أنّ الجزائر تشنّ منذ العام 1975، أي منذ استعادة المغرب أقاليمه الصحراويّة، حرب استنزاف عليه.
تشير تصريحات الرئيس الجزائري إلى أنه لم يستفق بعدُ من الصدمة التي خلفها تبني إسبانيا تغييرا جذريا في موقفها من قضية الصحراء، واختيارها المصالحة مع نفسها قبل المصالحة مع المغرب. يرفض تبّون الاعتراف بأنّ لدى إسبانيا مصالحها وأنّها ضاقت ذرعا بلعبة ممارسة الابتزاز التي يتقنها النظام الجزائري الذي يهتمّ بأمور كثيرة فيما مطلوب منه الاهتمام بالمواطنين الجزائريين وكيفية تحسين مستوى معيشتهم.
ساهم دعم إسبانيا للطرح المغربي لحل النزاع في الصحراء، باعتباره الحل الأكثر جدية وواقعية، كذلك زيارة رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز إلى المملكة المغربية بدعوة من العاهل المغربي الملك محمد السادس في الخامس من نيسان – أبريل الجاري في إنهاء أزمة دبلوماسية بين الرباط ومدريد استمرت نحو سنة. في أساس تلك الأزمة إقدام مدريد على استقبال زعيم “بوليساريو” إبراهيم غالي في إسبانيا، بهوية واسم غير حقيقيين، دون إخبار الرباط بذلك.
تصالحت إسبانيا مع المغرب. أدركت أنّ لغة المنطق لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية في عالم تتطور فيه الأحداث سريعا، خصوصا في ضوء الحرب الأوكرانيّة. جعل اندلاع تلك الحرب كلّ دولة أوروبيّة تشعر بأنّها صارت مهدّدة. ترفض إسبانيا، مثلها مثل أي دولة أوروبيّة أن تكون تحت رحمة الغاز الروسي أو الغاز الجزائري. عندما أوقفت السلطات الجزائرية مرور الغاز إلى إسبانيا عبر الخط الذي يمرّ في الأراضي المغربيّة، غاب عن بالها أنّها جنت على نفسها أوّلا ولم تعاقب المغرب الذي عرف كيف يتدبّر أموره.
كشفت هذه السلطات أنّ الجزائر من نوع الدول الذي لا يمكن الاعتماد عليه في عالم يفترض أن يسود فيه القانون وليس التذرع بالقانون لتحقيق مآرب ذات طابع خاص. على من يعتقد في هذا العالم أنّ لعب دور الهيمنة سهل إعادة النظر في حساباته. لا تستطيع دولة مثل إسبانيا، حذر رئيس الوزراء فيها قبل أيّام في مقال مشترك مع المستشار الألماني أولاف شولتز نشر في صحيفة “لوموند” من انتخاب زعيمة اليمين المتطرّف مارين لوبن رئيسة لفرنسا، التعاطي مع دولة غير طبيعية اسمها الجزائر. ليست المشكلة في الجزائر نفسها بمقدار ما أنّها في نظام لا يدرك معنى التلاعب بإمدادات الغاز في هذا العالم الذي تمر فيه أوروبا في مرحلة انتقالية. تقوم هذه المرحلة على رغبة في طلاق كامل عن روسيا – فلاديمير بوتين التي اعتقدت أن إمدادات الغاز كافية كي تخضع أوروبا وتقبل بأمر واقع في أوكرانيا.
في النهاية، على النظام الجزائري أن يقرّر في أيّ عالم تريد أن تعيش الجزائر. في عالم اللغة الخشبية التي ميّزت الخطاب الروسي منذ بدء الحملة العسكريّة على أوكرانيا في 24 شباط – فبراير الماضي… أم في عالم تحترم فيه الدول القانون الدولي ومبادئ هذا القانون وقيمه بعيدا عن ممارسة الابتزاز بالغاز وبغير الغاز.
وفّرت إسبانيا، عندما اعتمدت الموقف الصائب والمنطقي من قضيّة الصحراء، فرصة كي يتصالح النظام الجزائري مع المنطق ويظهر أخيرا أنّ المتاجرة بالشعارات لا تفيد وأن من الأفضل له التصالح أوّلا مع الشعب الجزائري بدل اعتماد سياسة الهرب إلى خارج حدود الجزائر تفاديا لمثل هذه المصالحة مع الجزائريين.
العالم تغيّر… هل يتغيّر النظام الجزائري، أو على الأصحّ هل يستطيع الإقدام على مثل هذه الخطوة من دون أن ينهار من الداخل؟