إيلاف من الرباط: واصلت ندوة "الفن المعاصر وخطاب الأزمة"،في ثاني جلساتها، مساء السبت، ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي ال45، مناقشة إشكالية الأزمة في الفن المعاصر من زوايا أخرى بمقاربات مختلفة، مع استحضارها للتجربة العربية، في علاقة براهن الممارسة الفنية، وكيف عاش الفنان العربي اضطرابات وتوترات ما سمي ب"الربيع العربي".
أحمد جاريد
وشهدت الجلسة، التي سيرها أحمد جاريد، الكاتب والفنان التشكيلي، مشاركة كل من بنيونس عميروش، الفنان والناقد التشكيلي، وبوجمعة أشفري، الشاعر والناقد الفني، وعزيز بوركة، الناقد الفني، ونادية الصبار، مديرة مؤسسة "دانا" للإعلام والاتصال.
مقام الفن
تحدث عميروش، تحت عنوان، مقام الفن المعاصر ومعضلاته، عن المعضلات المتعلقة بالفن المعاصر ليتوقف عند بعض المشاكل المتعلقة بالفن العربي، عموما. وقال إن الفن ظل يثير التساؤل في كل تحول، بينما يتصاعد النقاش كلما قطع أشواطا لتأكيد منعطفاته السائرة في هدم الحدود والقواعد والأعراف للجمالية المتجدرة.
وشدد عميروش على أن الفن المعاصر يحتاج إلى "تعريف دقيق"، مشيرا إلى أن التسميات الجارية فيها "التباس كبير للغاية".
وقال عميروش إن الفنانين يلجؤون إلى خطابات فكرية معقدة لتعويض هشاشة أعمالهم في كثير من الأحيان، بينما تعود سمعة عدد من هؤلاء إلى المضاربات المالية مع ما يرافق ذلك من أسعار غير مبررة.
وفي ضوء كل هذا، تساءل عميروش: "ما موقع الفن العربي من هذه التحولات؟"، ليقول إن الفنانين العرب صاروا يجدون أنفسهم اليوم أمام تحديات جديدة بمعطيات جديدة، وطرق تقييم جديدة، وقنوات انتشار جديدة.
أفعال هدامة
أشار عميروش إلى أن سنوات الألفية الثالثة سجلت انعطافا مؤثرا منذ 2011، مع ثورات ما سمي ب "الربيع العربي"، التي قال إنها "وضعت الفنون العربية تحت ظلال الأزمة بين تجارب منبعثة من رحم السياقات والأوضاع المشوبة بالاضطرابات والتوترات وعدم الاستقرار"، ليجد العديد من الفنانين العرب أنفسهم في "حالة قطيعة قصوى مع محترفاتهم وصالاتهم، ومع علاقاتهم بالأوساط التي تيسر لهم جسور التحرك في محيطهم الموصول بمختلف أنشطتهم الإبداعية، بعد أن لجأوا إلى أوروبا والبلدان العربية المجاورة".
ورأى عميروش أن الفنانين المهاجرين يتمسكون بإصرارهم على إعلان وجودهم أينما حلوا وارتحلوا، مع إصرارهم على إيجاد حلول للحضور والتجمع والحوار.
واشار عميروش إلى تجارب فناني سوريا والعراق، قبل أن يتطرق إلى حالة "فن النحت التمثيلي"، ويلقي الضوء على عدد من "السلوكيات التدميرية"، المتمثلة في تحطيم وتدمير وتهشيم عدد التماثيل، قال عنها إنها أفعال هدامة تؤشر على أننا، في العالم العربي والإسلامي، قد بلغنا فقط منتصف الحق في الصورة.
وتوقف عميروش عند الأوضاع المقلقة، في سياق كل أنواع الفتك والألم، وما يتمخض عنها من سرديات حرب، مستعرضا جملة كلمات تختصر الوضع، تتمثل في الهجرة واللجوء والشتات والانتماء والرحيل والفناء، وما يتبع ذلك من أسئلة وجودة. وشدد على أن هذا الفنان العربي، بعد كل المآسي التي أحاطت وتحيط به، قد "دخل اليوم في دوامة بحث دائم عن نفسه داخل العالم".
شهية مشوهة
قال أشفري إن الفن والأدب لم يبقيا سوى "شهية مشوهة بطاقة اليأس". وتساءل: "ما فائدة القيم التي لم تستطع منع المجزرة؟".
وأضاف: "لا يمكن، في لحظة الانتقال من / إلى إلا أن نتحدث عن وجود أزمة. الأزمة لا تكون إلا في الحد الذي يحدث فيه التمفصل. اللحظة التي يكثر فيها تراكم المنتوج، سواء كان ثقافيا فنيا، أو اجتماعيا اقتصاديا".
وتحدث أشفري عن ثلاثة تمفصلات، بينها "عطب في الفن المعاصر والخطاب، نسميه أزمة".
جانب من الندوة
وأشار إلى كل شيء في الفن أصبح "مكشوفا"، فيما "لم يعد الفنان المعاصر ميالا إلى مناطق الظل"، بعد أن "صار رهينة كشافة الذوق، يخضع لها أكثر مما يخضع لتصور عمله الفني".
وتحدث أشفري عن تناسل الابتكار عام بعد عام، متسائلا "إن كان هذا التناسل مجرد تكرار بابتكارات سابقة". وشدد على أن الأمر يتعلق بسؤال يفترض "وجود عطب ما في مكان ما". ورأى أن هذا العطب "غالبا ما نطلق عليه لفظة "أزمة""، ليضيف: "وأين تكمن هذه الأزمة؟ في الأعمال الفنية المعاصرة؟ في الخطاب الذي ينتج حولها؟ أم فيهما معا؟".
صفيحة صدئة
أنهى أشفري كلمته على إيقاع تأملات بملح شعري، فيه شيء كثير مما يرتبط بحديث أزمة كل من الفن والخطاب حول الفن، حيث قال: "بين الشارع وقاعة العرض. بين الطارئ والمتفق عليه. بين الحادثة والحيلة. الفن يتداخل. الفن يتوارى. والذين يعتقدون انهم حددوه في القاعات المعقمة بمتاحفها المعاصرة هم أول من سيباغثون بالعثور عليه مكتوبا على صفيحة صدئة لقمامة أزبال".
وجاءت باقي المداخلات ووجهات النظر والآراء التي طرحها وفية لروح النقاش الذي أثارته الندوة، من حيث إثارتها لموضوع بقدر ما يرتبط براهن الممارسة الفنية، إبداعا وخطابا، يوسع من دائرة التناول ليربط الكلام بمجتمعات حائرة وعالم تتسارع خطواته بأقل توازن ممكن.