لم تشرع توني موريسون الحائزة على جائزة نوبل للآداب في كتابة الرواية والقصة بصفة فعليّة إلاّ بعد أن تجاوزت سنّ الأربعين. وكان عليها أن تقضي خمسة أعوام لكي تنتهي من كتابة روايتها الأولى "صول" التي تتحدث عن امرأة تعيش في حيّ من أحياء مدينة أوهايو.
وبسبب رفضها للتقاليد المحافظة ،تتعرض الى هجومات عنيفة من الأوساط المتشبثة بتلك التقاليد. وبفضل هذه الرواية التي لاقت نجاحا واسعا، فرضت توني موريسون نفسها في المشهد الأدبي الأمريكي والعالمي
وفي روابتها الشهيرة Beloved التي حوّلت الى فيلم نال اعجاب الملايين في جميع أنحاء العالم، تتطرّق توني موريسون الى موضوع العبودية. وتدور أحداث هذه الرواية في القرن السابع عشر ،أي في الفترة التي كانت فيها الولايات المتحدة الأمريكيّة ما تزال "عالما جديدا". وكان المهاجرون يتدفقون اليها من البلدان الأوروبية بأعداد وفيرة. بينهم سويديّون، وفرنسيّون واسبان، وايطاليون، وهولنديّون، وروس.
كانت المدن تسمّى بحسب الأسماء التي يختارها لها المهاجرون. وفي هذه الفترة بدأ بظهر خدم بيض. وفي الحقيقة كان هؤلاء الخدم عبيدا تماما مثلما هو الحال بالنسبة للخدم السود. وفي طريقهم الى المهجر الأمريكي، كان البعض من هؤلاء الخدم البيض يموتون قبل الوصول الى "العالم الجديد".
أما الذين يتمكنون من الوصول فإنهم يتحولون في الحين الى عبيد. وكذلك زوجاتهم، وأبناؤهم. الشيء الوحيد الذي كان يميّز الخدم السود عن الخدم البيض هو أن هؤلاء كان باستطاعتهم أن يفرّوا، وأن يذوبوا في الجموع البيضاء. وهذا ما لم يكن بمقدور الخدم الزنوج القيام به بسبب لون بشرتهم.
ويضم كتاب توني موريسون "جذور الآخرين" ست محاضرات كانت قد ألقتها في جامعة" هارفارد" المرموقة عام 2016، وفيها تناولت موضوعات مختلفة متصلة اتصالا وثيقا بالقضية العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالعلاقات بين البيض والسود، وبلون البشرة، وبالهجرات الجماعية التي يواجهها العالم راهنا. وقد اعتمدت توني موريسون في ذلك على وثائق تاريخية، وعلى شهادات من البيض والسود، وعلى أعمال روائيين كبار أمثال فوكنر وهنمغواي .كما خصصت بعض الفصول لتقديم قراءتها الخاصة لأعمالها التي تناولت فيها جوانب مختلفة من المظالم التي تعرض لها السود في الولايات المتحدة الأمريكية.
لقطة من صفحتها على فيسبوك
وقد ألقت توني موريسون هذه المحاضرات في فترة عرفت فيها العنصريّة البيضاء تصاعدا رهيبا ومفزعا خصوصا بعد أن تمكن اليمينيون بقيادة رونالد ترمب من الدخول إلى البيت الأبيض ليصبحوا مُتحكمين في السياسة الأمريكية داخليا وخارجيا. إلاّ أن توني موريسون لم تتطرق إلى الأوضاع الحالية بشكل مباشر، بل اختارت النّبش في جوانب مختلفة من التاريخ الأمريكي بحثا عن ما يثبت بالدليل القاطع أن العنصرية البيضاء قد تتقلص لحين من الزمن، لكنها سرعان ما تعود مُتخذة أشكالا مسبوقة أو غير مسبوقة. لذلك يمكن القول أن كتاب توني موريسون يتواصل مع كتب أخرى ظهرت في فترات سابقة مثل كتب سفان بيكيرت وادوارد بابتيست التي ابرزت الطبيعة العنيفة للعنصرية، وكتب جيمس ماكفيرسون وايريك فونير التي كشفت عن الأسباب التي أدت إلى الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، وإلى دحْر المجهودات التي كانت تهدف إلى بناء البلاد واعمارها .
كما يلتقي كتابها مع كتابات خليل جبران محمد وبريس واستارن التي أظهرت كيف أن العنصرية مهّدت إلى محْتشدات الاعتقال الجماعية.
وفي بداية الكتاب، تشير توني موريسون إلى أن اكتشافها لما ترمز إليه بشرتها السوداء يعود إلى طفولتها. فذات يوم، جاءت الجدة من الأم التي كانت "سوداء مثل القطران" لزيارة عائلتها. وحالما لاحظت أن حفيدتيها كانت أقلّ سوادا منها، اغتاظت وصاحت مُحتجة على ذلك لأن لون البشرة بالنسبة لها هو الذي يحدد أصالة جنسها. أما الأقل سوادا فهم مزيّفون. وهم أقرب إلى البيض منهم إلى السود. ومنذ ذلك الحين، ترسّخت في ذهن الطفلة الصغيرة التي هي توني موريسون رمزيّة لون بشرتها في مجتمع يُعاني من العنصرية البيضاء لتصبح هذه الرمزية موضوعا أساسيا في جل أعمالها الروائية والقصصية.
وتقول توني موريسون بإنها اعتمدت في روايتها "Beloved” على قصة واقعية بطلتها امرأة سوداء تدعى مارغريت غارنار في الخامسة والعشرين من عمرها، قامت بقتل أطفالها الأربعة بأشكال وحشية لكي لا " تسلط عليهم المظالم التي سُلطت عليها" ،ولكي "لا يعذبهم الأسياد البيض مثلما عذبوها" بحسب تعبيرها. وقد ارتكبت تلك المرأة جرائمها بهدوء، وبصفاء ذهني عجيب كما لو أنها تؤدّي عملا صالحا. ولم تقم والدتها بردعها، بل كانت تراقب أفعالها من دون أن يصدر منها ما يشير بالموافقة أو الاعتراض.، داعية الله أن "يأخذها بسرعة إلى العالم الآخر حيث يكفّ الأشرار عن ارتكاب الذنوب ".
ومن خلال يوميات صاحب مزرعة يدعى توني ثيستلوود، تثبت توني موريسون أن الإنسان العنصري يمكن أن يسعى إلى إثبات إنسانيته بأفعال لا إنسانية. فقد كان هذا الرجل يقوم يوميا باغتصاب الخادمات والعاملات في مزرعته إرضاء لشهواته وهوسه الجنسي. وهو لا يفصل أفعاله هذه عن الأعمال اليومية التي يقوم بها كالحرث، والزرع، وجزّ الأغنام، واستقبال الزوار، وغير ذلك. وهو يغتصب الخادمات والعاملات مُرددا في داخله :”أنا لست وحشا! أنا لست وحشا! وإنما أنا أعذب اللاتي من دون وسيلة للدفاع عن أنفسهن لكي أؤكد لنفسي أنني لست ضعيفا!”.
وكان توني ثيستلوود يعتبر عملية الاغتصاب "حقا مشروعا" باعتباره "سيدا" متفوقا عقليا، ويتمتع بخصال ومواهب لا يتمتع بها ضحاياه. وقد يجد "الأسياد البيض" متعة في تعذيب خدمهم السود من خلال إجبارهم على القيام بأعمال مرهقة ، بل قاتلة في بعض الأحيان. من ذلك مثلا أن امرأة سوداء روت أنها كانت تقضي الشطر الأكبر من النهار في منجم للملح ورجلاها في الماء حتى الركبتين. وفي نهاية عملها، تخرج مُنتفخة الساقين بحيث لا تقدر على الحركة بطريقة عادية. وكانت تصف مرورها من "سيّد إلى آخرّ كما لو أنه ّمرور من جزّار إلى جزّار آخر قد يكون أشد منه قسوة وشراسة".
وفي التقارير التي أعدوها، سعى علماء وأطباء بيض إلى إظهار دونية السود لتبرير عنصريتهم. وفي تقريره حول الأمراض والخاصيات الفيزيقية للجنس الأسود، أشار طبيب يدعى صامويل كارترايت كان يدافع باستماتة عن الاستعباد ،أن القاعدة العامة تثبت، باستثناء بعض الحالات، أن السود لا يمكنهم أن يتمتعوا بالمواهب والمَلَكَات التي تخوّلُ لهم الحصول على ثقافة أخلاقية، والاستفادة من تربية دينية أو غيرها إلاّ إذا ما كانوا خاضعين لسلطة الرجل الأبيض. فإن لم يكونوا خاضعين لهذه السلطة، فإنهم يمضون حياتهم خاملين، ساكنين، وشبه نائمين كما لو أنهم مُخدّرُون. بل أن الدم الأسود الذي يجري في عروقهم غالبا ما يكون حافزا للجريمة، والعنف، والهمجية، والجهل، ورفض كلّ ما يمتّ بصلة للحضارة والتمدن.
وفي محاضرة حملت عنوان"الهوس باللون"، تطرقت توني موريسون إلى ملامح وخاصيات العنصرية البيضاء في الأدب . ففي قصة للكاتبة فلانري أو كونور بعنوان" الزنجي المُخْتَلَق"، يحاول رجل أبيض يدعى المستر هيد تعليم حفيده منذ البداية كيف يميّز بين الرجل الأبيض والرجل الأسود، موحيا له أن هذا الأخير "ليس انسانا بالمعنى الحقيقي للكلمة"، بل هو في مستوى قد يكون قريبا من مستوى الحيوان. وفي روايات وقصص ويليام فوكنر، تتحول قطرة الدم السوداء التي قد يحملها رجل أبيض إلى "لعنة" تلاحقه طوال حياته، وإلى عقدة تثير لديه نوازع العنف والشر والجريمة.
وعند همنغواي، قد يكون اللون الأسود موقظا للغرائز الجنسية ومُحفزا على الشبقية والايروسية. ففي قصة"حديقة عدن"، يقضي شاب وشابة شهر العسل على الشاطئ اللازوردي الفرنسي. وهما يمارسان الجنس طوال الوقت بمتعة لا مثيل لها. وفي حوار يدور بينهما، تطلب الفتاة من الفتى الذهاب إلى شاطئ في الجنوب لنصبح أكثر "سوادا" إذ أن اللون الأسود يثيرها، ويجعلها راغبة في المزيد من متع الحب والجنس.
حوار
هنا حوار مع توني موريسون أجراه معها الصحفي فرانسوا بوسميل لمجلة "لير" الفرنسية في عددها الصادر في شهر أبريل-نيسان 2009.
-منذ وقت طويل لم تتطرقي إلى موضوع الاستعباد بشكل مباشر مثلما فعلت في روايتك:
Beloved الصادرة عام 1987. كيف ولدت هذه الرواية؟
-توني موريسون: كنت قد فكرت بأنه لم يعد بإمكاني أن أطرح هذا الموضوع مرة أخرى، وأني استعرضته من جميع جوانبه العاطفية منها والثقافية. نعم كنت أعتقد ذلك رغم أنني كنت على يقين بأن الإحاطة به لا يمكن أن تكتمل أبدا. ثم بدأت أفكر في جميع من سبقوني، وفي كل الأحداث التي وقعت قبل أن يصبح التمييز العنصري أمرا واقعيا في هذه البلاد. والسؤال الذي ورد إلى ذهني هو: أي شعور ينتاب الانسان عندما يكون عبدا؟ لكن ليس لأسباب عنصرية، وإنما عندما يكون الانسان عبدا، ويكون شبيها بجميع الآخرين.
-لماذا تضعين أحداث روايتك " هبة" في أمريكا خلال نهاية القرن الثامن عشر؟
-توني موريسون: في تلك الفترة، كانت أمريكا "عالما جديدا" بالفعل. وكان هناك سويديون، وبريطانيون، واسبان، وفرنسيون، وهولنديون...وجميعهم قادمون من أوروبا. وكانت المدن تُغيرُ
أسماءها بحسب نسبة سكانها. وكل شيء كان في حالة ترجرج مُستمر. وما كان يعنيني هو أنه كان هناك من ضمن القادمين" خدم" بيض. وأولئك الخدم كانوا في الحقيقة "عبيدا" بنفس مستوى العبيد السود. لكن لا بد من التركيز على ظروف وصول البيض إلى الأراضي الأمريكية: بعضهم يموتون اثناء الرحلة، أو عند الوصول. عندئذ يصبح أبناؤهم أو زوجاتهم عبيدا. وكان أولئك العبيد يعملون جنبا إلى جنب مع العبيد السود في مزارع التبغ. والفرق الوحيد بينهم هو التالي: بإمكان البيض أن يهربوا ليذوبوا في الجموع.
أمّا السود فلم يكن باستطاعتهم أن يفعلوا ذلك بسبب لون بشرتهم. وتلك الفترات كانت حقا فترات بداية لأمريكا. حدث ذلك قبل ولادة الولايات المتحدة الامريكية وحتى قبل تنظيم المستعمرات، والأمر يعني جزءا من تاريخنا نحن نجهله، لكنه يبدو لي أساسيا.
-هل يعني ذلك أن أمريكا تمثل بالنسبة لك "الجنة الضائعة"؟
توني موريسون : نعم ضائعة أما أن تكون :جنة" فذلك أمر مشكوك فيه. ففي تلك الفترة كانوا يحرقون الساحرات، ويقومون بتصفية الهنود الحمر...وإذن الحديث عن "جنة" يصيح باطلا...والحقيقة أنه كان عصرا متوحشا. وكان الناس مهددين باستمرار، والحياة كانت قاسية. أما الطبيعة فقد كانت سخيّة. بهذا المعنى يمكن أن نتحدث عن "جنة". فقد كان الخشب كثيرا، والأسماك كانت تقفز من الماء لتسقط مباشرة في المركب.
لكن ما يهمني هي حياة الناس العاديين، أي اللصوص، والبغايا، والمعارضون، وكل أولئك الذين تمّ خطفهم من عائلتهم ليرمى بهم في أرض أمريكا إلى جانب التجار، أو المجموعات الدينية. هؤلاء لم يكن لهم أيّ كتاب تاريخ. لكنهم كانوا ممنوعين من الاختيار إذ أنهم كانوا مرغمين على القدوم إلى هنا ليتمّ مَحْوهم من الذاكرة. وأنا كنت أريد أن أعيدهم إلى الحياة بشكل ما...
-لكن هل يعرف الأمريكيون اليوم أنه كان هناك عبيدا بيض؟
-توني موريسون: كانت روما القديمة تقوم على العبودية. وكذا الأمر بالنسبة لروسيا. ولم تكن كلمة "عبودية" تُسْتعمل، لكن كانت هناك كلمات أخرى مثل "القنانة"، و"العمال الكادحون".... في كل الحضارات الكبيرة، كان هناك أناس لا يتقاضون أجرة عملهم، وهم ملك لآخرين. والأقوياء في تلك الحضارات، لم يكن باستطاعتهم الاستغناء عن العبودية. بهذا المعنى يمكن القول أن العبودية ليست حالة استثنائية إذ أنها وُجدت دائما، وفي كل الأمكنة.
لكن ما هو مهم بالنسبة لأمريكا هو العرق. وتلك بداية العنصرية. وهذا الجانب هو الذي يعنيني. والكلام عن العبودية هو الكلام عن واقع وُجد دائما، وفي جميع أنحاء العالم، بقطع النظر عن الكلمة التي أطلقت عليها. تذكروا مثلا المزارعين البريطانيين الذين لم يكن لهم حق في مغادرة الأرض الذي يخدمونها... أليسوا عبيدا هم أيضا؟
-كيف تمّ العبور في أمريكا من العبودية إلى العنصرية؟
-تونس موريسون: ما كانت العنصرية لتوجد لو لم تكن نافعة ومفيدة. وهي لا تخدم فقط المصالح السياسية، بل أيضا مصالح سكان آخرين فقراء، أي البيض الصغار العاديين. ونحن يمكن أن نُعيد ذلك إلى واقعة حدثت في فرجينيا سنة1676، أي إلى فترة قريبة إلى حد ما من بداية روايتي. وتلك الواقعة هي "تمرد بايكون" والذي حاول خلاله أربعة او خمسة آلاف شخص الإطاحة بالنظام القائم. بينهم كان هناك مزارعون صغار، وأيضا عبيد سود، وهنود وبيض. وكانت تلك المجموعة خليطا من أجناس مختلفة.
وقد نجحوا في ذلك لبضعة أشهر فقط، ثم قُبضَ عليهم، وتمّ شنقهم. بعد ذلك، استحدثت قوانين جديدة. وتحرّم تلك القوانين على السود حمل السلاح، وتبيح للأبيض قتل الأسود بأية ذريعة كانت. وتلك القوانين هي التي فرّقت بين البيض الفقراء والسود مانحة إياهم تشريعا مُعيّنا. ولم يصبح البيض أغنياء، بل ظلوا فقراء لكنهم يمتلكون سلطة النظر من فوق إلى فقراء آخرين مثلهم. وهكذا بدأت العنصرية...
-هل تعني بذلك أنه من الضروري فصل العبودية عن العنصرية؟
-توني موريسون: بالضبط... العنصرية وليدة "تربية" وتاريخ. وهي شديدة الارتباط بقضية العبودية، غير أن العبودية لا تعني بالضرورة العنصرية.
-الرابط بين جميع رواياتك هو تحديدا مصير النساء حين يهملهنّ الرجال؟
-توني موريسون: هذه وجهة نظر قارئ فرنسي، أبيض. وهي على أية حال وجهة نظر مثيرة للاهتمام. الكتّاب السود، خصوصا عندما يكونون رجالا، يكتبون بصفة عامة عن الرجال البيض، أي عن أعدائهم، أو عن مُنْقذيهم. أما الكتّاب البيض فيكتبون بالأحرى عن أنفسهم. وتكتب النساء البيض عن الرجال البيض، وعن آبائهن، وأبنائهن، وعن عشاقهن. ولوقت طويل لم تكتب النساء السود عن الرجال البيض. وأنا لا أدري سبب ذلك، لكن حالما تُخرج شخصية بيضاء من عملك، كل شيء ينفتح..
هناك نوع من الحرية لا يمكن أن توجد حين يكون هناك "سيّد" ينظر إليك من فوق. لكن يبدو أن سؤالك مُركّز على الرجال جميعا. في اثنان او ثلاث من رواياتي، وضعت شخصيات ذكورية سوداء مهمة...رائعة أم لا ـ لكن دائما معقّدة. أنا أكتب عن الثقافة الأفرو-أمريكية لنفس السبب الذي به كتب دستويفسكي عن الثقافة الروسية. ما أنا أعرفه هو الذي يحفزني على الكتابة.، ويثري خيالي. لكن عليّ أن أذكر أن هناك رجالا بيض يلعبون أدوارا مهمة في رواياتي...
-في عام1969، أصدر ويليام ستايرون رواية بعنوان :" اعترافات نات تورنر" التي حصل بفضلها على جائزة "بوليتزر". وهو في هذه الرواية، يتقمّص شخصية عبد سود رغم انه أبيض. ما رأيك في هذه الرواية؟
-توني موريسون: مثيرة للاهتمام...لكن ستايرون لم يفلحْ في النّفاذ إلى الثقافة السوداء، وحوّلها إلى لغة انجليزية أكاديمية. وهذا ما جعل روايته بعيدة الى حد ما عن العمق....وهو لم يستعمل لغة السود التي أعشقها شخصيا...
-هل الكتابة بالنسبة لك فعل سياسي...؟
-تونس موريسون: كل كاتب جدير بأن يكون كاتبا حقيقيا يتوجب عليه أن يتحدث عن العالم الذي يُحيط به. وهذا ما فعله كل من شكسبير وأسخيلوس...إن فكرة فصل الفن عن السياسة كذبة كبيرة في حدّ ذاتها...وهي فكرة جديرة بأن نتركها لبلدان تمتلك فنا مصطنعا، وأجهزة رقابة، مثل البلدان الشيوعية. وللتصدي للفن الرسمي، طوّر بعض الفنانين نظرية تقول بإنه لا شيء في عالم اليوم ما يمكن أن يغذّي الشعر والرواية. وعندئذ أخذت السياسة معنى سلبيا ما كان يمكن أن يحصل...
-ما هو بالنسبة لك دور الأدب؟
-تونس موريسون: لا أحب التنظير، ولا أرغب في أن أتحدث باسم الكتّاب الآخرين. لكن هناك بالنسبة لي رابط واضح بين الكتابة والرأي، وبين الكتابة والأخلاق. الكتابة جهد دائم لكي ندرك ماذا يعني الانسان...ما هي التزاماتي؟ وماذا أنا أفعل على هذه الأرض بينما يموت آخرون؟ تلك هي الأسئلة التي يتوجب على الكاتب أن يُجيب عليها بحسب رأيي. كتبي كانت دائما مفيدة بالنسبة لي. وأنا أتعلم كثيرا عندما أكتب...وإلى يومنا هذا أنا على هذه الصورة.
-في أية مرحلة علمت أنك ستكونين روائية؟
-تونس موريسون: في مرحلة متأخرة. وكان ذلك حين شرعت في كتابة روايتي الثانية. وكنت قد تخطيت سن الأربعين آنذاك. قبل ذلك كانت الكتابة مُجرد لعبة. وروايتي الأولى استغرقت مني خمسة أعوام لسبب بسيط وهو أني كنت أعشق ما كنت أفعل. وكنت أحب أن أكتب، ولم أكن أريد أن أتوقف. لكن عندما صدرت الرواية، غرقت في كآبة عميقة من دون أن أدري سبب ذلك. كان العالم على نفس الصورة، غير أني كنت أشعر أني خارج العالم. عندئذ بدأت أبحث عن فكرة لرواية جديدة، وكل شيء بدأ ينتظم بما في ذلك الأشياء السيئة أو النفعيّة. وفي الحين بدأت حياتي الإبداعية توقّعُ وجودي كله. ودائما كنت أجد فكرة لرواية جديدة. وقد أنقطع عن الكتابة لبضعة أشهر، إلاّ أنني أكون مُنشغلة دائما بموضوع جديد. وفي هذه المرحلة من مسيرتي، أدركت أني سأكون روائية.
-كتبت أطروحة عن فوكنر...هل تأثرت بكتّاب كبار من فترة الخمسينات والستينات؟
-توني موريسون: نعم...تأثرت بجيمس بالدوين تحديدا...كتاباته النقدية عن أوضاع السّود كانت مُهمة جدا بالنسبة لي ... ففي تلك الفترة كان أغلب السود يتذمرون أن يشتمون...ثم جاء بالدوين بأسلوب فريد يشدّ القارئ، وفي نفس الوقت يعبّرُ عن أفكار عظيمة. وفي نفس الفترة قرأت شعراء أفارقة وكان ذلك مهما بالنسبة لي إذ أن أولئك الشعراء كانوا أكثر أهمية من الشعراء السود الأمريكيين. بالنسبة لي، كان الشعراء السود الأمريكيون يخاطبون الجمهور الأبيض محاولين تفسير أوضاعهم، وهمومهم ، وتبرير آرائهم مواقفهم أمام الحكام البيض.
لذلك أنا حاولت حالما شرعت في الكتابة أن أختار طريقة تناسب الأفرو-أمريكيين من دون أن أجهد نفسي لتفسير الأشياء. فعندما أكتب، أنا أحاول أن أصور، وأن أروي. أما التفسير فلا يعنيني. وربما ارتكبت بعض الأخطاء بسب هذا الاختيار، لكني حطّمت حواجز كثيرة...