تعد ألمانيا نموذجًا عالميًا بصعودها الاقتصادي بعد حرب عالمية ثانية أنهكتها ودمرت بناها التحتية، إذ استطاعت إعادة إعمار ما تهدم والوصول باقتصادها إلى مراحل متقدمة عالميًا فهل يستفيد العرب من التجربة الألمانية لتنهض بلادهم التي أنهكها "الربيع"؟.
إيلاف: يشكل كتاب "التجربة الألمانية: دراسة في عوامل النجاح السياسي والاقتصادي" لأستاذ العلوم السياسية في العلاقات الدولية في منطقة الخليج العربي محمد صادق إسماعيل، قراءة عميقة لصعود ألمانيا، التي تعدّ أحد أكبر الاقتصاديات في العالم اليوم، والتحديات التي واجهتها، بعدما خرجت من الحرب العالمية الثانية مدمّرة تمامًا، مع انهيار تام في البنية التحتية، ومقتل ما يقرب من 5 ملايين من رجالها في الحرب.
البحث جار
يقود الاقتصاد الألماني أوروبا ويوجهها |
يتناول الكتاب في عشرة فصول التجربة الألمانية ما بعد الحرب والتداعيات ومحاولات الإصلاح، وتجارب الاقتصاد والتعليم والثقافة والفنون، وتجربة الوحدة وانعكاساتها على نهضتها وغير ذلك من مرتكزات وضعت اقتصادها كواحد من أكبر اقتصاديات العالم.
ووفقًا للمؤلف الكتاب "محاولة متواصلة للسعي نحو البحث عن دروس مستفادة من تجارب دولية، لعل بعضها يصلح للتطبيق في مجتمعاتنا العربية التي ما زالت في مرحلة تحوّل من نظام سياسي إلى آخر، ولا يزال البحث جاريًا عن نموذج سياسي واقتصادي يصلح للنظم السياسية العربية، التي ضلت طريقها لسنوات طويلة ضائعة"، متسائلًا: "متى يستفيد عالمنا العربي من تلك التجارب ويسعى جديًا إلى محاكاة تجربة رائدة، مثل التجربة الألمانية، أم إن كل اهتمامات العرب لا تزال تتمثل في التغني بالماضي والمجد الذي كان يومًا، وصار ذكرى لما تبقى من حلم "الوطن العربي".
قال إسماعيل في كتابه الصادر من دار العربي للنشر: "كانت الأمور تتقدم ببطء في ألمانيا عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث بلغ معدل البطالة في عام 1950 نسبة 11.4%، كما أدت الحرب الكورية إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وكان ميزان المدفوعات في حالة عجز كبيرة، لكن لودفيج إيرهارت والأحزاب الحكومية واصلوا إتباع الخطة الموضوعة والحفاظ على مسارها، وفي بداية 1951، بدأت تظهر بوادر النجاح، حيث كان هناك فائض في التصدير، وفي 1952، ساهم الطلب القوي المتزايد من الخارج للبضائع الألمانية في حدوث فائض كبير في الميزان التجاري".
مارشال نموذجًا
أضاف شارحًا: "لم تكن الجمهورية الاتحادية حتى عام 1955 في حاجة إلى جيش، كما إن الإمبراطورية الاستعمارية الألمانية السابقة كان من المقرر تصفيتها، وهذا أدى بالتالي إلى أن الجمهورية الاتحادية لديها الآن عدد كبير من القوى العاملة المتحفزة المؤهلة والمدرّبة تدريبًا عاليًا. وعندما تمت إعادة بناء محطات الإنتاج المدمّرة، تم ذلك على أحدث التقنيات وأعلى مستويات النمو".
أدت التطورات التي حدثت على الساحة العالمية - بحسب إسماعيل - إلى أن جمهورية ألمانيا أصبحت أولًا شريكًا للقوى المنتصرة بعد فترة قصيرة من انتهاء الحرب العالمية الثانية، ثم صارت حليفًا مهمًا لهم. استفادت ألمانيا في إعادة بنائها من خطة مارشال الأميركية، ولم يساهم إنشاء الجماعة الأوروبية للفحم والصلب فقط في وضع أساس الاتحاد الأوروبي اليوم، ولكن ساهم أيضًا في استمرار القيود المفروضة على الإنتاج واختفاء الأوضاع السياسية غير المستقرة.
تابع قائلًا: "في كل الإجراءات الاقتصادية المصاحبة لمسيرة الوحدة الأوروبية، برزت ألمانيا المستفيد الأكبر من إطلاق اليورو عام 2002، وحتى خلال أزمة الديون السيادية المتفاقمة التي عصفت بمنطقة اليورو، وهددت بانهيارها، جنت ألمانيا مكاسب طائلة ناهزت 167 مليار يورو، ربحتها من أخذها قروضًا من الأسواق المالية بفائدة منخفضة، وبيعها بعد ذلك بفائدة مرتفعة لدول اليورو المتعثرة. كرَّس هذا الواقع الجديد ألمانيا كمتحكمة بالسياسة المالية والنقدية لمنطقة اليورو، وكمسيطرة من خلال الاقتصاد على أوروبا، وهو ما فشلت ألمانيا النازية في تحقيقه بالحديد والنار".
يقود الاقتصاد الألماني أوروبا ويوجهها خاصة في زمن الأزمة، حيث يحتل المركز الرابع عالميًا في الناتج المحلي الخام بعد كل من الولايات المتحدة والصين واليابان، كما يتمتع الألمان بقوة شرائية عالية المستوى، ويميل المجتمع الألماني بطبعه إلى الإدخار بنسب هي الأعلى عالميًا تبلغ 35.11%.
إصلاحات شرودر
ولفت إسماعيل إلى أن الاقتصاد الألماني يعتمد بالأساس على قطاع التصدير، الذي يتمتع بميزة تنافسية عالية، ويساهم بنسبة 40% من الناتج الإجمالي المحلي. ولعل ما يجنيه الألمان من ثناء على أداء اقتصادهم ما هو إلا ثمرة لسلسلة من الإصلاحات في سوق العمل قامت بها حكومة المستشار السابق جيرهارد شرودر، وهي الإصلاحات التي قادت إلى استقرار في الأجور، بل وانخفاضها منذ اعتماد العملة الموحدة.
وقد أسهمت الإصلاحات الاجتماعية - يضيف إسماعيل - في جعل ألمانيا أحد أكثر مواقع الإنتاج في أوروبا فعالية من حيث التكلفة. كما ساهمت الإجراءات الاستباقية التي قامت بها حكومة شرودر ضمن ما يعرف بأجندة 2010 بشكل فعال في جعل الاقتصاد الألماني بمأمن من الهزات التي ضربت اقتصادات الدول الكبرى كأميركا واليابان وبريطانيا، وهذه الإصلاحات الهيكلية والاجتماعية - كرفع سن التقاعد مثلًا - كانت ألمانيا قد طبقتها بشكل طوعي في إطار استراتيجية بعيدة النظر، وهي الإصلاحات نفسها التي اعتمدتها الدول المتعثرة أخيرًا إثر تفاقم أزمة اليورو.
وأوضح أن ثمة تساؤلات طُرحت خلال السنوات الماضية حول حدود المشاركة الألمانية في قيادة النظام العالمي، حيث افترضت الكثير من التحليلات أن السياق الدولي الراهن سيؤدي إلى تنامي الدور الألماني، بفعل امتلاك ألمانيا العديد من المقومات، لعل أبرزها قاعدة صناعية متميزة، وأوضاع اقتصادية وسياسية، تجعلها مختلفة عن العديد من الدول الأوروبية، التي مرت خلال السنوات الأخيرة بأزمات اقتصادية حادة، هددت المشروع الأوروبي الموحد ككل.
وحدة مفصلية
وقال إسماعيل "بدا السياق الدولي أيضًا معززًا لاحتمالات اللحظة الألمانية، حيث إن النظام الدولي لم يعد مستقرًا، وشهد العديد من التحولات التي تشير بدرجة أو بأخرى إلى انتقاله إلى نمط القيادة المتعددة، التي لا تقتصر على القيادة الأميركية المنفردة، ولكنها تنطوي على مشاركة فاعلين مختلفين في إدارة النظام الدولي. في هذا السياق، يتناول توماس باجر - من خلال تحليله المعنون بـ"اللحظة الألمانية في عالم هش" بدورية واشنطن الفصلية Washington quarterly في عدد شتاء 2015 - احتمالية الصعود الألماني في النظام الدولي الراهن، ويستدعي في تحليله رؤية متوازنة تمزج بين مقومات الدور الألماني، والتحديات التي تواجه هذا الدور، إذ إن نتاج التفاعل بين الأمرين سيحدد ماهية الدور الألماني في النظام الدولي.
وأكد إسماعيل أن لحظة إسقاط حائط برلين، وتحقيق الوحدة الألمانية شكلت مرحلة مهمة في التاريخ المعاصر للدولة الألمانية، فقد سعت برلين بعد الوحدة إلى التكريس لنمط الدولة المستقرة سياسيًا واقتصاديًا، والتي تطمح إلى دور أكبر على الساحة الدولية. واستمرار هذا الإطار الفكري هو المحرك لكل الحكومات الألمانية، التي سعت في الوقت عينه إلى توظيف مكامن القوة المتاحة لديها لتعزيز النموذج الألماني. وفي هذا السياق، يفترض باجر أن النموذج المثالي لألمانيا يتصل بأربعة مقومات أساسية، هي:
أولًا: التكيف مع العولمة
ففي عام 2003، أطلقت الحكومة الألمانية برنامجًا عُرف بأجندة 2010، وكان الهدف من هذا البرنامج القيام بإصلاحات داخلية لتعزيز نظام الرفاهية الاجتماعي، وتحقيق المزيد من المرونة في سوق العمل. في حينها، ظهر أن هذا البرنامج يُواجه بالكثير من الانتقادات والمعارضة، والتي كانت سببًا في خروج المستشار الألماني، جيرهارد شرودر، وحزبه الاشتراكي الديمقراطي من السلطة في 2005. ولكن بعد مرور سنوات على طرح هذا البرنامج، اتضح أنه يقدم مدخلًا جديدًا لألمانيا للاستفادة من ثمار العولمة.
كما أدت أجندة 2010 وما ارتبط بها من إصلاحات اجتماعية واقتصادية إلى تخفيض تكلفة وحدة العمل، ومن ثم جعلت ألمانيا أكثر قدرة على المنافسة في السوق العالمية، فضلًا عن التوصل إلى صيغة جديدة لعقد اجتماعي يتيح التكيف مع متطلبات العولمة، وفي الوقت عينه الحفاظ على منظومة راسخة من العلاقات بين الدولة ورجال الأعمال والعمال، والتي تأخذ في حسبانها مركزية التماسك المجتمعي كضمانة لعدم حرمان أي فئة من نتاج العولمة. وقد كان لهذه المعطيات تأثير إيجابي في الوضع الاقتصادي الداخلي، والذي شهد، على سبيل المثال، تراجع معدل البطالة إلى 6%، وهو ما يساوي نصف ما كان عليه تقريبًا في عام 2005.
ثانيًا: الصناعة الألمانية
ثمة افتراض انتشر في بداية الألفية بأن المستقبل سيكون لمصلحة صناعة الخدمات، ولا سيما الخدمات المالية، ولكن بدا أن هذا الافتراض لا يتماشى مع الواقع الألماني. فالقطاع المالي تسبب في الكثير من المشكلات التي أدت إلى تراكم الفقاعة المالية في عام 2008.
وعلى النقيض من هذه الإخفاقات في القطاع المالي، كانت الصناعة الألمانية بمنزلة القاطرة الرئيسة للاقتصاد الألماني، حيث لم تتعرّض الصناعة لتأثيرات كبيرة أثناء الأزمة المالية، وهو ما يعود إلى طبيعة الصناعة الألمانية، التي تسيطر عليها شكوك تجاه منظور الأعمال القصيرة المدى، حتى ولو كانت تحقق أرباحًا، فضلًا عن هيكل الصناعة، الذي يستند بصورة جوهرية إلى الشركات العائلية متوسطة الحجم، وتعتمد في تمويلها على الأصول التي يتم توارثها من جيل إلى آخر، وبالتالي فهي لا تحتاج مساهمين، وليست مدرجة في سوق الأوراق المالية.
وقد وظفت الكثير من هذه الشركات العولمة في الحصول على مكاسب عديدة، كما إن التوسعات التي شهدها الاتحاد الأوروبي في 2004 أتاحت للشركات الألمانية الفرصة لتوسيع نشاطها في وسط وشرق أوروبا. وفي الوقت عينه، أثبتت هذه الشركات قدرة عالية على التكيف مع الصعود الصيني، الذي يشكل منافسة اقتصادية هائلة. نتيجة لهذه القدرات الصناعية، تجاوزت الصادرات الألمانية خلال الصيف الماضي 100 مليار يورو في شهر واحد، وهو معدل يحدث للمرة الأولى.
ثالثًا: الطاقة المتجددة
شهدت السنوات الأخيرة توجّهًا ألمانيًا حثيثًا تجاه الطاقة المتجددة، والاقتصاد الأخضر. وقد شكلت المتغيرات الدولية محفزًا جوهريًا لهذا التوجه، خاصة مع حادث مفاعل فوكوشيما النووي في اليابان في مارس 2011، وهو الحادث الذي دفع الحكومة الألمانية إلى التخلص التدريجي من 22 مفاعلًا نوويًا، وإحلال مصادر الطاقة المتجددة محلها. علاوة على ذلك، فإن ارتفاع استهلاك الطاقة العالمي "ولا سيما في المجتمعات الآسيوية الصاعدة" فرض ضغوطًا مستقبلية على الموارد المتاحة بالتوازي مع تنامي الانبعاثات الضارة، والمشكلات البيئية.
رابعًا: الانفتاح المجتمعي
أثناء العقود الماضية، أصبح المجتمع الألماني أكثر انفتاحًا على الآخر وتقبلًا للمهاجرين. ومن هذا المنطلق، احتلت ألمانيا المرتبة الثانية، بعد الولايات المتحدة، في قائمة الهجرة لعام 2014 الصادرة من منظمة التعاون والتنمية، لتسبق بذلك دولًا كلاسيكية شهيرة بالهجرة كأستراليا وكندا. وفي عام 2013، وصل عدد المهاجرين لألمانيا إلى 437 ألف مهاجر. وفي الوقت الراهن، يوجد أكثر من 16 مليون شخص داخل ألمانيا ممن لهم أصول وخلفيات مهاجرة، ليمثلوا بذلك نحو 20% من المجتمع الألماني، والكثير منهم أصبحوا مواطنين ألمانيين.
وقال إسماعيل "يُفترض أن هذه التطورات منحت المجتمع الألماني المزيد من الثراء الفكري المرتبط بالتنوعات. وتقدم مقومات القوة السابقة لألمانيا حيزًا ممتدًا للتحرك على الساحة الدولية، وتدعيم مشاركتها في قيادة النظام الدولي. بيد أن هذه المقومات تظل مرتهنة – وفقًا لباجر – بمعادلة معقدة تنطوي أيضًا على مجموعة من التحديات، يمكن اختزالها في أربع قضايا رئيسة، هي:
التطورات التكنولوجية
حيث تفرض القفزات التكنولوجية المعاصرة تحديًا كبيرًا أمام الصناعة الألمانية، فمعظم التطورات التكنولوجية والابتكارات الرقمية يأتي من شركات وادي السليكون، وهذا الأمر يثير تساؤلات إشكالية عدة من قبيل مدى إمكانية الشركات الصناعية الألمانية الإبقاء على مستواها التنافسي، وهل ستكون الشركات الألمانية سريعة بما فيه الكفاية لتطوير خبرات تقنية المعلومات لديها، ودمج مكونات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في منتجاتها الهندسية المتفوقة بصورة تكفل لها مواجهة الشركات التكنولوجية الكبرى التي تخترق الصناعات واحدة تلو الأخرى. وتستدعي هذه التحديات من الحكومة إعطاء الأولوية لتمويل الأبحاث العلمية والاستثمار في التكنولوجيا المتطورة.
التحدي الديموغرافي
خلال السنوات الماضية، بدت الاتجاهات الديموغرافية معضلة مركزية في المجتمع الألماني، حتى مع محاولات دمج المهاجرين. هذه المعضلة تستدعي بعدين مهمين، أحدهما أن تراجع تعداد السكان سيفضي حتمًا إلى تداعيات اقتصادية سلبية، لا سيما مع اختلال الهرم العمري للسكان، وتقلص القاعدة العمالية المؤهلة القادرة على ضمان استمرار الصناعة الألمانية. ومن جهة أخرى، فإن قضية المهاجرين تطرح هي الأخرى إشكالية، خاصة أن الكثير من المهاجرين يأتون من دول أفريقية وعربية محتدمة بالأزمات والمشكلات، والتي قد تنتقل بشكل أو بآخر إلى المجتمع الألماني عبر هؤلاء المهاجرين. وعطفًا على ما سبق، فإن الحكومة الألمانية ستكون مطالبة بالتعامل الإيجابي مع هذا التحدي الديموغرافي الذي قد يعرقل الصعود الألماني.
مستقبل الاتحاد الأوروبي
تعرض المشروع الأوروبي الوحدوي في السنوات الأخيرة لبعض الإشكاليات، كانت بدايتها مع فكرة العملة الموحدة - اليورو - في 2002، حيث إن إنشاء وحدة نقدية بدون اندماج كامل للسياسات الاقتصادية والمالية لم يؤدِ إلى إحداث التقارب المنشود بين اقتصادات منطقة اليورو.
وبحلول عام 2010، شهدت الدول الأوروبية أزمة الديون السيادية، وهي الأزمة التي خلقت مأزق ثقة في فكرة الوحدة الأوروبية. ولا يمكن إغفال أن هذه المتغيرات شكلت ضغوطًا على برلين. فهي من جهة، كانت تتحمل تكاليف إخفاقات الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي، على أساس أنها أفضل اقتصاديًا، مقارنة بالدول الأخرى، ومن جهة أخرى، فإن تدهور أوضاع الاتحاد الأوروبي يمثل مصدر قلق لبرلين، لا سيما أنها تعتمد في تأثيرها في القيادة، من خلال نموذج الاتحاد الأوروبي. وارتباطًا بذلك، سيكون على ألمانيا تحديد ما الذي ستفعله في حال أخفق حلفاؤها في التعاطي مع متطلبات وضغوط العولمة السياسية والاقتصادية، وما الذي سوف تفعله إذا وجدت أن تضامنها مع حلفائها سيؤثر سلبًا في وضعها الاقتصادي الداخلي.
تهديدات النظام الليبرالي
وهو ما يطلق عليه باجر "تهديد العولمة تحت الحصار" كدلالة على التحديات والتهديدات التي تعترض النظام الليبرالي في لحظته المعاصرة، والتي تنعكس أيضًا على برلين، ومن مصادر هذه التهديدات روسيا، التي ترفض التعاون مع الولايات المتحدة وأوروبا، وتعتمد على بناء قدراتها الذاتية، والحفاظ على المجال الحيوي الخاص بها بعيدًا عن أي تدخلات خارجية.
هذا الأمر تجلى بوضوح في الأزمة الأوكرانية الأخيرة. وبجانب التهديد الروسي، فهناك تهديد آخر قادم من تنظيم "داعش"، إذ إن التنظيم يقدم نموذجًا لتنظيم راديكالي يتوسع وينشئ دولته الخاصة. ويجد هذا النموذج قبولًا لدى العديدين داخل الغرب، وبالطبع ألمانيا، التي شهدت انتقال عناصر شبابية "يقدر عددهم بنحو 550 ألمانيًا" إلى سوريا للقتال في صفوف "داعش".
في السياق عينه، يواجه النظام الليبرالي مشكلة الأمراض الوبائية، مثل إيبولا، والمشكلات التي يتم تصديرها من الدول الفقيرة التي عجزت عن التكيف مع ضغوط العولمة، علاوة على تحدي الصعود الصيني، والذي يستصحب معه النسخة السلطوية من الرأسمالية التي لا تتقارب مع منظومة الغرب القيمية. ومن ثم، ستكون لهذا الصعود انعكاسات أبعد من آسيا، ومن شأنها أن تغير طرق الإنتاج والاستهلاك، وملامح النظام الدولي الحالي.