إيلاف من لندن: أجواء لندن القارسة الباردة، تموج داخلها حرارة سياسية، وموجات عارمة من النشاط المختلف، لعل أبرزها الزيارة المهمة لرئيس الوزراء العراقي، السيد محمد شياع السوداني، التي كانت محور اهتمام الدوائر السياسية في العاصمة البريطانية لما تضمنته من اتفاقيات مفصلية ذات أهمية بالغة.
كان السيد السوداني، الذي سيبلغ الـ 54 من العمر في آذار (مارس) المقبل (ولد عام 1970)، في منتهى الحيوية والنشاط، حيث يعج فندق Four Seasons Hotel الكائن على حافة ماي فير داخل لندن بالزائرين والوفود من مختلف الجهات للتوقيع على العديد والعديد من الاتفاقيات بين بلاده وبريطانيا، ولم يبخل الوزير الأول على وسائل الإعلام بالحديث لها، فعلاوة على استقباله مجموعة من كبار الصحافيين الناطقين بالعربية في لقاء ودي مثمر، تسنى لي الالتقاء به على انفراد رغم وقته المزدحم المكثف. كما التقى بفريق من تشاتم هاوس، فضلاً عن اجتماعات مكثفة مع مسؤولين بريطانيين من مختلف القطاعات.
في اللقاء معه الذي جرى في الطابق الأول من الفندق الذي تعددت فيه أماكن الاجتماعات، بدأ بالترحيب، ثم أراد تذكيري بالعراق وعبقه التاريخي قائلاً: "العراق له خصوصية في التعامل مع إرادة البقاء، والعراقي من أكثر الشخصيات أنفة واعتداداً بنفسه، ولا يمكن أن يكون خاضعاً لأحد أياً يكن (...) لقد شهد بلدنا صراعات طويلة، وكان يخرج منها ظافراً. أما تصوير بلدنا بأنه يتبع لأي دولة، فهذا أمر يتنافى مع الشخصية التاريخية للعراق".
هذه المقدمة جعلته يأخذني بجولة مستفيضة عن رؤيته لغدٍ عراقي متطور يستجيب للإيجابيات المحيطة بالشأن العراقي والتطورات الباعثة على التفاؤل، مؤكدًا في حديثه على أهمية تعزيز الاستقرار الداخلي والانفتاح الاقتصادي لجذب الاستثمارات.
ولست بالطبع غريباً عن العراق بوجوهه المتعددة، منذ أيام الرئيس صدام حسين، الذي كان لقائي به يحمل رهبة التاريخ وأحداثه المتسارعة، وقد التقيته قبل أشهر من غزو الكويت وما زلت أحتفظ حتى الساعة بهديته آنذاك، وتلك قصة أخرى تحكى في مناسبة أخرى، إلى مسعود البارزاني، الزعيم الكردي الذي طالما تحدث بثقة عن حقوق الأكراد وطموحاتهم، وصولاً إلى الرئيس برهم صالح، السياسي المثقف الذي حاول أن يرسم صورة مختلفة للعراق في محافله الدولية.
• الرئيس العراقي لـ"إيلاف": لا نريد حربًا جديدة في المنطقة
• عندما أنقذني صدام حسين!
ووفق هذه الأجواء، تذكرت أن السيد السوداني سياسي مختلف، فقد نشأ بين العمل الإداري بعيداً عن الترسبات الميليشياوية، وتقلّب في مناصب عدَّة ذات طبيعة إدارية ومدنية مثل محافظ ميسان عام 2009، ووزير حقوق الإنسان في حكومة المالكي الثانية عام 2010، ثم تولى مهام رئيس الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة في 2011. كما شغل منصب وزير الزراعة ووزير الهجرة والمهجرين، إضافة إلى إدارته لمؤسسة السجناء السياسيين.
عثمان العمير خلال لقائه مع الرئيس العراقي السابق برهم صالح
وفي عهد رئيس الوزراء حيدر العبادي، تولى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وتم تكليفه لفترة بمهام وزارة المالية ووزارة التجارة، كما تولى لاحقاً وزارة الصناعة.
إلى جانب ذلك، انتُخب رئيساً لمجلس إدارة منظمة العمل العربية بين 2017 و2018، وشغل عضوية البرلمان العراقي لدورات متعددة، مما أكسبه خبرة واسعة في العمل التنفيذي والتشريعي.
في حديثه، شدد السيد السوداني على أهمية زيارته للمملكة المتحدة، والتي استمرت ثلاثة أيام، واصفًا إياها بأنها "خطوة مفصلية في مسار العلاقات الثنائية"، ومؤكدًا أنَّ العراق وبريطانيا يرتبطان بعلاقات تمتد بجذور عميقة. أضاف: "العلاقة بين العراق والمملكة المتحدة لها خصوصية، فهي ليست وليدة اللحظة، بل تستند إلى تاريخ طويل من التعاون، بدءًا من دعم العملية السياسية بعد 2003، وصولاً إلى دور بريطانيا المحوري في مواجهة تنظيم داعش".
وأشار إلى أن الزيارة أسفرت عن توقيع الشراكة الاستراتيجية، التي وصفها بأنها "خارطة طريق شاملة تُغطي ملفات الأمن، الطاقة، الصحة، والتعليم"، مضيفًا أنَّ الاجتماعات المكثفة مع الشركات والمؤسسات المالية البريطانية شكلت فرصة لتعزيز التعاون في مختلف المجالات. وقال: "نحن اليوم أمام مرحلة جديدة في علاقتنا مع المملكة المتحدة، ترتكز على المصالح المتبادلة، والاستثمار في الفرص المشتركة لتحقيق التنمية المستدامة".
لم يغب عن السيد السوداني، وهو يتحدث عن العلاقات مع الغرب، أن يُعرّج على العلاقات مع الولايات المتحدة، حيث أوضح أن بغداد تعمل على "بناء علاقة مؤسساتية مستقرة مع واشنطن"، بعيدًا عن تأثيرات المتغيرات السياسية، مشيرًا إلى أن الحوار الثنائي مع الأميركيين بشأن الترتيبات الأمنية مستمر منذ أكثر من عام، فالولايات المتحدة "تظل شريكاً رئيسياً للعراق، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الأمني، وقد قطعنا أشواطًا في تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية، إلى جانب تطوير الشراكات الأكاديمية بين الجامعات العراقية والأميركية".
الخليج... عمق وتعاون متنامٍ
غير أن السيد السوداني، الذي يدرك أن مستقبل العراق لا يُصنع في العواصم الغربية وحدها، كان أكثر حماسة عندما تحدث عن العلاقة مع دول الخليج العربي. العراق، كما يراه، "يعتز بعمقه العربي"، ويسعى إلى "بناء جسور متينة مع الأشقاء الخليجيين، في إطار رؤية طموحة تعزز التكامل الاقتصادي والسياسي في المنطقة".
لحديثه عن السعودية نكهة خاصة، حيث يؤكد أن الرياض شريك أساسي في معادلة العراق الاقتصادية، مشيدًا بالدور الذي لعبته المملكة في تعزيز الاستثمارات وتوسيع آفاق التعاون الثنائي: "لدينا مجلس تنسيقي مشترك مع السعودية، تمكنا من خلاله من إطلاق مشاريع كبيرة في مجالات الإسكان والطاقة، ولا تزال هناك فرص واعدة لتعزيز هذا التعاون".
عثمان العمير خلال لقائه مع الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين
وأشار إلى أنَّ المشاريع المشتركة تشمل أيضًا الربط الكهربائي بين العراق ودول الخليج، وهو مشروع استراتيجي يسعى لتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية، وفتح الباب أمام حلول مستدامة: "الربط الكهربائي مع السعودية ليس مجرد مشروع تقني، بل هو خطوة نحو تحقيق تكامل اقتصادي طويل الأمد، يعكس متانة العلاقة بين البلدين".
أما الكويت، فقد وصفها بأنها "جار قريب تجمعنا به روابط تاريخية ومصالح مشتركة"، مؤكدًا أن الحوار المستمر بين البلدين يساهم في تجاوز التحديات وتعزيز التعاون في مجالات التجارة والاستثمار.
طهران... ضرورات الجوار
بعد إسهاب في الحديث عن العلاقات الخليجية، ينتقل إلى ملف العلاقة مع إيران، مشيرًا إلى أنها "دولة جارة تربطنا بها علاقات وثيقة، تتداخل فيها المصالح السياسية والاقتصادية". وهو أوضح أن زيارته الأخيرة إلى طهران جاءت ضمن "جولة إقليمية" شملت عواصم عربية عدَّة، وهدفت إلى "تعزيز الاستقرار الإقليمي، وتنسيق الجهود في ملفات معقدة، على رأسها التطورات الأخيرة في سوريا". فإيران، يؤكد، "لاعب أساسي في المنطقة، ونحن نسعى إلى إدارة العلاقة معها على أسس متوازنة تحترم سيادة العراق ومصالحه الوطنية".
وأضاف أن العراق يلعب دورًا محوريًا كـ"وسيط فاعل" بين مختلف الأطراف الإقليمية، مؤكدًا أن بغداد باتت مركزًا للحوار الهادئ الذي يهدف إلى تجسير الهوة بين الفرقاء.
الإصلاح والتحديات
في الشأن الداخلي، أبدى السيد السوداني تفاؤلاً بتحقيق تقدم ملموس في ملف الفصائل المسلحة، مشيرًا إلى أن عددها تراجع بشكل كبير في العراق خلال الفترة الماضية. يقول: "بدأنا بخطوات جادة لحل هذا الملف المعقد عبر الحوار الوطني، واليوم لم يتبقَّ سوى ثلاث أو أربع مجموعات، تعمل الحكومة على دمجها ضمن الأطر القانونية والمؤسساتية".
كما كشف عن خطط حكومية لإعادة تأهيل المناطق المتضررة من النزاعات، عبر "برامج اقتصادية طموحة" تشمل تطوير البنية التحتية، وإطلاق مشاريع كبرى في مجالات النقل والطاقة، والهدف "أن يشعر المواطن العراقي بتحسن ملموس في حياته اليومية، وأن يرى نتائج الإصلاح على أرض الواقع".
نحو عراق جديد
واختتم السيد السوداني حديثه بالتأكيد على أن العراق يسير بخطى واثقة نحو الإصلاح المؤسسي، مستفيدًا من الدعم الإقليمي والدولي، مشيرًا إلى أن حكومته عازمة على بناء عراق جديد يستند إلى إرثه الحضاري العريق، وينظر إلى المستقبل بتفاؤل: "العراق مستعد للتعاون مع جميع الدول التي تسعى لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، ونحن ملتزمون بسياسة الانفتاح والشراكة الحقيقية".
وفيما كان اللقاء يقترب من نهايته، بدت ملامح السيد السوداني تعكس صورة رجل دولة يجيد التنقل بين التحديات الداخلية والتحركات الخارجية، واضعًا نصب عينيه عراقًا متوازنًا، منفتحًا على الجميع، لكنه محافظ على خصوصيته واستقلاله.
وكعادة العراقيين، يظل الشعر والشعراء جزءاً لا يتجزأ من أحاديثهم وربما حياتهم، فلم يكن مستغرباً أن يكون رجل العراق القوي متعلقاً بشاعر العراق الأوحد "محمد مهدي الجواهري" إذ كان متعلقا به في شبابه.
وكانت مناسبة في الإشارة أمامه أنني تشرفت بالجلوس والاصطحاب مع قامات عراقية عاشوا في لندن أو مرّوا عليها، مثل "بلند الحيدري" الذي فتح لي أبواب العراق فتعرّفت على "البياتي" و"الجواهري"، أما الكتاب فحدّث ولا حرج.
في حوار شامل وممتد أجرته صحيفة "إيلاف"، جلس رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أمام الصحافي والناشر عثمان العمير ليفتح ملفات هامة وشائكة تتعلق بالسياسة العراقية، داخليًا وخارجيًا، فكان هذا الحوار:
♦ عثمان العمير: كيف تقيمون الزيارة هذه بعدما أصبحت في مراحلها الأخيرة؟
- السيد محمد شياع السوداني: الحقيقة كانت زيارة مهمة، كان هناك إعداد لإنجاحها كون العلاقة بين العراق والمملكة المتحدة لها خصوصية بحكم أنها علاقة تاريخية وأيضًا دور المملكة المتحدة في دعم العملية السياسية من بداية تشكيلها وانتهاءً بمواجهة تنظيم داعش. فكان تقييمنا منذ البداية أن ما بيننا من تعاون لا يرتقي إلى حجم هذه العلاقة، فتم الإعداد لهذه الزيارة، وبالفعل تمخض عنها توقيع الشراكة الاستراتيجية وهي خارطة طريق واسعة في مختلف الملفات. وأيضًا وقعنا بيانًا مشتركًا بخصوص التعاون الأمني بعد انتهاء مهمة التحالف الدولي، فضلاً عن كمٍّ هائل من اللقاءات مع الشركات والمؤسسات المالية البريطانية.
بالنتيجة نحن أمام واقع جديد، أمام عهد جديد لهذه العلاقة التي تأخذ بنظر الاعتبار مصالح البلدين.
♦ ماذا تتوقع للولايات المتحدة بعد الاتفاقيات التي تمت، حتى الاتفاقيات العسكرية مثلاً؟
- الولايات المتحدة بالتأكيد لها مكان مهم في سياستنا. سبق وأن زرنا واشنطن وأجرينا أيضًا لقاءات وحوارات مهمة، وزرت هيوستن عاصمة الطاقة في العالم والتقيت الشركات الأميركية التي يعمل قسم كبير منها في العراق. وتعرف طبيعة العلاقة هي علاقة مؤسساتية بغض النظر عن تغيير الإدارات، مع تأكيدنا على أننا مستعدون للتعاون مع الإدارة الجديدة وفق خلفية العمل السابق، واتفاقية الإطار الاستراتيجي، وكذلك شراكتنا في التحالف الدولي لمواجهة داعش. نحن بدأنا منذ أكثر من عام بحوار ثنائي بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية لترتيب العلاقة الأمنية الثنائية، وكان هذا الحوار بالتوازي مع التحالف الدولي الذي كانت تقوده الولايات المتحدة.
في هذه الزيارة أيضًا كان هناك لقاء مع شركات أميركية جاءت إلى لندن وأكملنا بعض النقاشات. أعتقد أن الولايات المتحدة ستكون حاضرة في مسيرة علاقتنا على كل المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية.
♦ سيدي رئيس الوزراء، كيف كانت لقاءاتكم في إيران؟ وما هي الخطوات التي توصلتم إليها في هذه الزيارة؟
- زيارتنا لطهران الأخيرة كانت من ضمن سلسلة زيارات أجريناها في المنطقة إلى الأردن والمملكة العربية السعودية، إضافة إلى الاتصالات التي قمنا بها مع قادة دول المنطقة بشأن التطورات الأخيرة في سوريا. فكانت الزيارة إلى إيران ضمن سلسلة هذا التحرك. إيران دولة جارة ومهمة، وتبادلنا وجهات النظر والرؤى تجاه التطور الأخير في سوريا. حقيقة، وجدنا تفهماً من القيادة الإيرانية لطبيعة التغيير الذي حصل وأيضًا تعاطيها الإيجابي، وأخبرونا أن هناك تواصلًا قد حصل مع الإدارة الجديدة، وأبدينا استعدادنا لدعم هذا التواصل والتنسيق من أجل استقرار سوريا الذي هو بالنتيجة استقرار للمنطقة.
وكان الجزء الآخر يتعلق بالعلاقات الثنائية، في مختلف الملفات، وهناك مشاريع مشتركة تابعناها مع إدارة الرئيس مسعود بزشكيان، وهي حكومة وإدارة جديدة وحريصة على العلاقة الثنائية بين البلدين الجارين.
♦ وما تفاصيل الزيارة إلى دول الخليج والمملكة العربية السعودية؟
- العراق يعتز بعمقه العربي، ومنذ اليوم الأول بدأ بتواصل مستمر على مختلف المستويات مع كل دول الخليج، وكان للمملكة العربية السعودية دور كبير في دفع مسار العلاقة المتنامية بين العراق والسعودية. الكل يعلم أن هناك مجلس تنسيق أعلى بين البلدين الشقيقين، أجرينا اجتماعات على مستوى لجانه المختصة ومشاريعنا المشتركة في الجانب الاقتصادي، واحتضان كبار المستثمرين السعوديين في العراق. شركات مهمة دخلت في قطاع السكن والتطوير العقاري، ومن المؤمل أن تدخل أيضًا قريبًا في قطاع الطاقة، والربط الكهربائي بين العراق والسعودية من المشاريع المهمة.
المنافذ الحدودية التي تم افتتاحها، ومن المؤمل افتتاح منفذ آخر لتعزيز التبادل التجاري وحركة الحجاج والمعتمرين، فضلاً عن المواقف المتطابقة تجاه مختلف التطورات الأخيرة التي حصلت، وهي نتيجة تواصل مستمر وتبادل لوجهات النظر. العراق والسعودية من الدول الأساسية في أوبك وأوبك بلاس، وكانت سياساتنا وتفاهمنا وتنسيقنا عاملًا أساسيًا في الحفاظ على موازنة حقوق المستهلكين والمنتجين.
♦ نعود إلى الوضع الداخلي والأسئلة الأخيرة. أنت نجحت وفق المراقبين وما نتابع من أنباء في تأدية مهامك كرئيس وزراء في العراق في فترة قصيرة. لكن ماذا بعد؟ هل ستعود لترشيح نفسك كرئيس للوزراء مثلاً؟ حبذا لو تحدثنا عن هذا الموضوع ولو أنه قد يتسم ببعض الحساسية.
- لا أبدًا، الموضوع طبيعي وخصوصاً أننا دخلنا عام 2025، وهو موعد الاستحقاق الدستوري للانتخابات النيابية القادمة. بالتأكيد مشوار عملنا السياسي مستمر. لدينا مشروع سياسي واعد مبني على تراكمية الخبرة والتجربة التي اكتسبناها في مختلف المواقع، وخصوصاً مسؤوليتنا الأخيرة، وأيضاً مبني على علاقاتنا الطيبة مع القوى السياسية بكل توجهاتها.
هذه كلها مقدمات لتأسيس مشروع وطني جامع يأخذ على عاتقه الاستمرار بما أنجز وتحقق في هذه الفترة. وهو شيء مهم - ليس للمتحدث كرئيس حكومة - بقدر ما هو مهم للعراق والعراقيين، أن تستمر تراكمية المنجز لكي نعكس صورة الدولة المؤسساتية التي تضع مصالح البلد العليا فوق أي اعتبار.
♦ تحدثتم أمس وأعجب الكثيرون بحديثكم عندما قلتم إنَّ المليشيات تحولت من حوالى 65 مجموعة مسلحة إلى ثلاث أو أربع الآن. فكيف ترى وضع العراق من دون مليشيات؟
- أنا بيَّنت ما سبب بقاء بعض الفصائل بعناوينها وبما تمتلكه من سلاح، رغم أنني بيَّنت أيضًا أنه ليس من باب الاتفاق أو الرفض، ولكن هذا واقع ويجب أن نتعامل معه على هذا الأساس.
لا مسار أمامنا سوى الحوار والحل السياسي. علينا أن نتفهم ما هي مخاوف هذه الفصائل ومبرراتها لحمل السلاح. إذا كان حملها للسلاح خوفًا من الوجود الأجنبي، فالحكومة ماضية باتجاه تنظيم العلاقة مع هذا الوجود ضمن ما أقره الدستور والقانون. وعند ذلك لن يكون هناك أي مبرر لحمل السلاح، وبإمكان هذه المجاميع أن تنخرط في المؤسسات الأمنية أو أن تتحول إلى العمل السياسي كما قامت الكثير من العناوين.
أنت ذكرت الرقم 65، والآن تراجع العدد إلى عدد قليل جدًا من الفصائل. هذا يعني أن المسار واضح، والكل يعمل على تنفيذه. لكن كانت المتغيرات التي حصلت في 7 تشرين الأول (أكتوبر) هي التي أربكت المنطقة وأثرت على كل الحسابات.
ما جرى ويجري لغاية يومنا هذا - بانتظار الإعلان عن قرار وقف إطلاق النار في غزة - هو غير مسبوق: قتل وإبادة جماعية استفزت مشاعر الجميع. وفي هذه الظروف لا يمكن السيطرة أو التكهن بردود الأفعال. كل أنظمة المنطقة تواجه ضغطًا من شعوبها تجاه ما يحصل من مجازر في غزة، لكن هذا لن يكون مبررًا أن يبادر أي طرف لاتخاذ قرار وزج البلد في آتون الحروب والصراعات. أعتقد أنَّ المسار الذي عملته الحكومة هو المسار الصحيح، وسوف نستمر به لتقوية مؤسسات الدولة واحتكار وسائل العنف وأيضًا عدم السماح لأي طرف أن يصادر قرار الحرب والسلم الذي هو من ضمن صلاحيات الدولة دستوريًا وقانونيًا.