إيلاف من أصيلة: أظهرت ندوة "الذكاء الاصطناعي: أي حكامة في إفريقيا في عصر الرقمنة"، التي نظمتها مؤسسة منتدى أصيلة، مساء الأربعاء، بشراكة مع مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، حجم التحديات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي على القارة الإفريقية.
وشدد المشاركون على ضرورة التأقلم مع المستجدات التكنولوجية، التي يتوقع أن تفرض واقعا جديدا على مستوى المهن وطريقة التدبير والحكامة؛ وأكدوا على أهمية الاستثمار في التكنولوجيات الحديثة، من خلال تشجيع الابتكار وتأهيل العنصر البشري، مع مرافقة كل ذلك بحكامة تؤطر وتقنن المجال.
أسئلة
انطلق المشاركون، في هذه الندوة التي سيرها أكرم زاوي، الخبير في العلاقات الدولية بمركز السياسات للجنوب الجديد، من جملة أسئلة لمقاربة موضوع لا يزال هامشيا، وربما لم يتم اكتشافه بشكل كاف في البحث الأكاديمي الإفريقي، ركزت على الوضع الحالي لتنظيم وحكامة الذكاء الاصطناعي في إفريقيا والعالم، والتحديات الرئيسية التي تواجهها الدول الإفريقية في وضع أطر حكامة الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن لهذه الدول أن تنسق سياسات حكامة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها مع المعايير الدولية مع مراعاة سياقاتها المحلية، والتدابير التي يجب على القارة السمراء أن تتخذها لتنظيم استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فضلا عن سؤال مساهمة حكامة الذكاء الاصطناعي في ترسيخ السيادة الرقمية والتكنولوجية الإفريقية.
وشدد المشاركون على أن التكنولوجيا، بشكل عام، وتقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل خاص، على الرغم من فوائدها، تحمل العديد من المخاطر، التي يتعين التعامل معها. ورأوا أن الذكاء الاصطناعي، كركيزة أساسية للثورة الصناعية الرابعة، يمكن أن يساعد إفريقيا على أن تكون أكثر إنتاجية وفعالية، وأن تواجه التحديات الراهنة والمستقبلية.
نصيحة
انطلق المشاركون، في مقاربتهم لموضوع الندوة، من تعريف الذكاء الاصطناعي. وقدم إسماعيل التيجاني، المتخصص في الذكاء الاصطناعي والتقنيات المرتبطة به، ما قال إنه تعريف مبسط، فميز الذكاء الاصطناعي عن علم الروبوتات، مشيرا إلى أن الذكاء الاصطناعي شيء وعلم الروبوتات شيء آخر. وأضاف أن علم الروبوتات هو محاولة تعويض الجهد الجسدي بالآلة، بينما يهدف الذكاء الاصطناعي إلى تعويض الجهد الفكري.
وتحدث التيجاني عن اختفاء بعض المهن في المستقبل، كالترجمة والتصميم الغرافيكي والصحافة المكتوبة، بفعل مستجدات الذكاء الاصطناعي. ونصح بالحذر من المهن التي يمكن أن تعوض بآلات من علم الروبوتات أو بالذكاء الاصطناعي، وعدم اختيار المسار التعليمي في علاقة بمهن مهددة بمستجدات التقنية والذكاء الاصطناعي. ودعا، في هذا السياق، الجامعات والمعاهد المتخصصة التي تقترح مثل هذه التخصصات، إلى إعادة النظر في بعض تكويناتها وبرامجها التعليمية، تبعا للمستجدات المسجلة على المستوى التكنولوجي وما يفرضه الذكاء الاصطناعي من توجهات جديدة.
الجمهور المتابع للندوة
بسيط ومعقد
قال عبد الإله كديلي، رئيس مؤسسة تمكين، إن تعريف الذكاء الاصطناعي بسيط ومعقد في آن. وأوضح أن التعريف بسيط لأن الذكاء الاصطناعي يمكننا من فهم الاختلاف بين الآلة والإنسان. ومعقد لأنه يمكننا من الذهاب أبعد مما يتم اليوم، والتفكير في العشر والعشرين أو الأربعين سنة القادمة.
ورأى كديلي أن مهنا كثيرة ستختفي في الأفق القريب، فيما سيتم خلق المئات والآلاف من المهن في وجود الذكاء الاصطناعي. وشدد، في هذا السياق، على الحاجة إلى جهد للتأقلم، والمعرفة، والتواصل والتكوين. وشدد على أن الوضع المرتبط بالنقاش الجاري لن يكون كالسابق، وأنه سيكون مختلفا، فيما ستولد تخصصات أخرى.
وقال إننا، في إفريقيا، مجرد مستهلكين للتقنيات الجديدة، وضمنها الذكاء الاصطناعي، وبالتالي لا نساهم في دينامية الابتكار، والتقنين المتعلق بالتقنيات والابتكارات التكنولوجية. ودعا إلى المراهنة على التربية والتعليم والتكوين، وتوفير الوسائل التي تتطلبها المستجدات التقنية المتسارعة.
مزايا ومخاطر
قالت رجاء بنسعود، الباحثة في العلاقات الدولية، إن الذكاء الاصطناعي، الذي يهدف إلى استنساخ ومحاكاة الذكاء البشري، لم يعد مرتبطا بدائرة ضيقة، بل صار موضوعا يخوض فيه الفلاسفة والمفكرون وعلماء الاجتماع والمتخصصون في الاقتصاد، وغيرهم، وذلك بسبب الثورة الحاصلة، والمرتبطة بسهولة استعمال هذه التقنية الجديدة وتوظيفها.
ورأت بنسعود أن سؤال الحكامة يبقى مهما، على مستوى التأطير والتقنين القانوني، بعد أن صار المجتمع بأكمله منخرطا في استعمال أداة لها، في نفس الآن، مزايا ومخاطر. وقالت إننا لانضبط أو نتحكم فيما سيقع بعد سنتين أو أكثر، ولا نعرف إلى أين نسير، الشيء الذي يتطلب حكامة وتقنينا للاستعمال بشكل مستعجل.
توازن
استعرض عبد السلام جلدي، الباحث في العلاقات الدولية، مجموعة معطيات حول إفريقيا، تبين تأخرها في التعامل مع المستجدات التكنولوجية، مشيرا إلى أن 40 بالمائة فقط من الأفارقة يتوفرون على معرفة رقمية. كما أن نفس النسبة فقط هي التي تستطيع الولوج إلى الإنترنت، مقابل 90 بالمائة في أوروبا، و95 بالمائة في الولايات المتحدة الأميركية. ورأى جلدي أن القارة الإفريقية تحتاج إلى إحداث توازن بين التنمية الاقتصادية والابتكار التكنولوجي.