: آخر تحديث

الذكاء الاصطناعي ومستقبل العمل في العالم العربي

2
2
1

في عصرٍ تتحوّل فيه خريطة العالم الاقتصادية والتقنية بسرعة، يحجز الذكاء الاصطناعي موقعاً مركزياً في تشكيل مستقبل العمل. إن قدرات الآلة على التحليل والتعلّم واتخاذ القرارات تعيد تعريف مهن بأكملها، وتُطرح معها أسئلة جوهرية حول فرص الشباب وطبيعة الوظائف في العالم العربي، الذي يعاني أصلاً من ضعف فرص العمل وبنية تقنية متباينة.

مشهد عربي متغيّر: الأرقام التي لا تُغفل
تواجه المنطقة العربية – وفق أحدث بيانات البنك الدولي – معدل بطالة بين الشباب (15-24 سنة) يبلغ حوالي 26 بالمئة عام 2024.

وفي بعض الدول، تصل هذه النسبة إلى 40 بالمئة أو أكثر للشابات.

بالنسبة إلى الذكاء الاصطناعي، أظهرت منطقة الشرق الأوسط أن المملكة العربية السعودية تستهدف أن يساهم الذكاء الاصطناعي بـ 12.4 بالمئة من الناتج المحلي بحلول عام 2030.

كما استقطبت السعودية وحدها استثمارات تكنولوجية ضخمة، من بينها استثمارات تزيد على 22 مليار دولار للذكاء الاصطناعي والمراكز الرقمية خلال مؤتمر "LEAP 2025".

هذه الأرقام توضح أن المنطقة أمام "درب التحول" وليس مجرد "خطر تلقائي". الفرصة كبيرة، لكن المطلوب عمل دؤوب.

التحديات: ما الذي يعرقل الاستفادة؟
فجوة المهارات والربط بين التعليم وسوق العمل: الرغم من ارتفاع معدلات التعليم، تعاني المنطقة من ضعف الربط بين مخرجات الجامعات ومهارات التقنية المطلوبة في سوق العمل، ما يجعل الشباب عرضة لأن يُصبح “خارج التوظيف” أو يعمل في وظائف لا تتناسب مع مؤهلاته.

تفاوت البنية التحتية الرقمية: بينما تشهد دول كالإمارات والسعودية تقدّماً في التحول الرقمي، توجد دول عربية أخرى تقف وراء الركب بسبب ضعف الإنترنت، نقص الحوافز للبحث العلمي، ونقص الاستثمارات في التقنيات المتقدمة.

فجوة النوع الاجتماعي والهجرة ونزيف العقول: الشابات العربيات يواجهن معدلات بطالة أعلى من الذكور بكثير، والإطار القانوني أو المجتمعي في بعض الأماكن لا يشجّع مشاركة المرأة في العمل التقني. كما أن العديد من الكفاءات تبحث عن مغادرة الوطن بحثاً عن فرص أفضل، ما يعني خسارة مزدوجة: للموهبة والفرصة.

تمويل ريادة الأعمال والشركات الناشئة: تشير التجارب إلى أن الشركات الناشئة التقنية في العالم العربي تواجه تحديات تمويلية، إلى جانب ضعف الحاضنات المتخصصة، ما يحدّ من استثمار الذكاء الاصطناعي محلياً.

أمثلة واقعية من المنطقة
في السعودية، أُعلن عن صندوق VC بقيمة 10 مليارات دولار لاستثمارات الذكاء الاصطناعي، ضمن شركة HUMAIN التابعة لصندوق الاستثمارات العامة.

السعودية أيضاً تستقبل استثمارات ضخمة من شركات مثل Amazon Web Services بنحو 5.3 مليارات دولار لتطوير "منطقة الذكاء الاصطناعي".

في مجال الاستخدام العملي، تُحوّل السعودية نحو 6.6 غيغاواط من سعة مراكز البيانات بحلول عام 2034 لدعم تدريب النماذج الكبرى.

في قطاع التعليم والتمكين، هناك تحفيز متزايد لتطبيق برامج رقمية وتقنيات الذكاء الاصطناعي في الجامعات السعودية ضمن برنامج "رؤية السعودية 2030".

هذه النجاحات توضّح أنَّ المنطقة ليست متوقفة، بل تعمل على بناء القدرات، لكنَّ الفرص لا تزال كبيرة وليست مضمونة تلقائياً.

الفرص: كيف يمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي؟
تطوير المهارات الرقمية والتدريب التقني: يُمكن إطلاق برامج تدريب متخصصة باللغة العربية في تحليل البيانات، تعلم الآلة، الروبوتات، وجعلها متاحة على مستوى الوطن العربي.

تشجيع ريادة الأعمال والابتكار المحلي: بإنشاء حاضنات تقنية، مسابقات للذكاء الاصطناعي، ودعم للشركات الناشئة التي تطوّر حلولاً ذكية ملائمة للواقع العربي (مثل الزراعة الذكية، المدن الذكية، الرعاية الصحية الرقمية).

الشراكات بين القطاعين العام والخاص: الحكومات يمكن أن تفتح الأبواب أمام الشركات العالمية والمحلية للعمل المشترك، مع وضع أطر تنظيمية، وحوافز ضريبية، وبنية تحتية مناسبة.

خلق الثقافة الرقمية وتحفيز الشباب: حسّ الشراكة بين الشباب والمجتمع، وتوجيههم لأن الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً للإنسان بل شريكاً، وأن المستقبل يتطلب مهارات التفكير، التعاون، والابتكار.

ماذا يمكن أن يفعل العالم العربي الآن؟
تحديث المناهج الجامعية والمعاهد بحيث تشمل مهارات الذكاء الاصطناعي، البيانات، البرمجة، وريادة الأعمال، مع شراكة فعلية بين الجامعات والشركات.

إنشاء مراكز تدريب تقنية بالتعاون مع القطاع الخاص، يمكن أن تكون “أكاديميات الذكاء الاصطناعي” باللغة العربية، تُمكّن الشباب من دخول سوق العمل المُتغيّر.

إطلاق منصّات تعليمية رقمية عربية مفتوحة، تُمكّن كل شاب أو شابة من الوصول إلى محتوى تعليمي محدث في الذكاء الاصطناعي، بغضّ النظر عن موقعه.

تطوير التشريعات التي تحمي حقوق العمل وخصوصية البيانات، وتمنح أماناً للعاملين في القطاعات التقنية، وتضمن أن الانتقال نحو الأتمتة لا يتم على حساب الإنسان.

تشجيع الابتكار داخل الشركات: وضع برامج حوافز تقنية للشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي وتوظّفه لخلق وظائف جديدة، وليس فقط للاستغناء عن العمالة.

خاتمة: رؤية مستقبلية للوظيفة العربية
إنَّ الذكاء الاصطناعي يشكّل في آن واحد تهديداً وفرصة للعالم العربي. ليس المطلوب فقط مقاومة الأتمتة، بل تكييف القدرات البشرية معها، والاستثمار في الإنسان لا كمستقبل ثانوي، بل كشريك نشط في هذا التحوّل.

إذا ما تم ربط التعليم بالتكنولوجيا، وتشجيع الابتكار، وضمان بيئة قانونية مستدامة، سيجد شبابنا مكانهم في الاقتصاد الرقمي العالمي. سيصبح الذكاء الاصطناعي ليس نهاية عمل الرجل أو المرأة، بل منصة لانطلاقة جديدة، لمجتمع أكثر إنتاجية، ابتكاراً، واستدامة.

ولتتحقق هذه الرؤية، على الحكومات، الجامعات، القطاع الخاص، والمجتمع المدني أن يعملوا معاً. فالفرصة متاحة الآن، ونجاح الشباب هو نجاح المنطقة بأكملها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.