لا يكاد يمر حج لا تُمارَس قبله وأثناءه وبعده حملات معادية مسعرة من قبل أدعياء وعملاء يقولون إن همهم الأمة ومصالحها، وهم متخندقون في خنادق العداء لحاضنة الحرمين الشريفين (المملكة العربية السعودية) التي تعمل حكومةً وشعبًا، على رأسهم (خادم الحرمين الشريفين) و(ولي عهده الأمين) حتى أصغر شخص فيها، وبكل جدية وإخلاص، على خدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة من حجاج ومعتمرين وزوار على مدار الساعة، حيث تتظافر وتتكامل ممثلة في لجنة الحج العليا، ولجنة الحج المركزية، واللجنة الدائمة للحج والعمرة، والعديد من الوزارات والأجهزة الحكومية كوزارة الداخلية، ووزارة الحج والعمرة، ووزارة البلديات، ووزارة الصحة، ووزارة النقل، وإمارة مكة المكرمة، وإمارة المدينة المنورة، وغيرها من الوزارات والأجهزة الحكومية وغير الحكومية لخدمة الحجاج والمعتمرين والزوار.
والحج والعمرة والزيارة تتم وفق تنظيم محكم بموجب تأشيرات وتصاريح رسمية، بما فيها تصريح الحج الرسمي الذي سهل أمر الحج وقضى على الفوضى والافتراش والزحمة من قبل الحجاج غير النظاميين.
والحقيقة أن (حج بلا تصريح) هي حملة موفقة تهدف إلى تنظيم الحج وضمان سلامة الحجاج، وتُطبّق على جميع الحجاج، بما في ذلك السعوديون والمقيمون والزوار من خارج المملكة، ويمكن للحاج والحاجة توثيق الرحلة الإيمانية والحصول على شهادة إتمام الحج عبر تطبيق "نسك" بكل سهولة وفي خطوات معدودة، وهي خطوة وبرنامج ناجح منع من دخول الحجاج غير النظاميين.
وكان للجهود الميدانية المزودة بالتقنية الحديثة والفطنة الأمنية الفضل في ردع كل متحايل ومتسلل غير نظامي، وأسفرت هذه الجهود عن إعادة أكثر من ربع مليون شخص حاولوا الحج بدون تصريح، وإخراج ربع مليون مخالف من مكة والمشاعر المقدسة يريدون الحج بدون تصريح، وتم حصر الحج على الحجاج النظاميين، حيث بلغ عدد الحجاج في عام 2025 ما مجموعه 1,673,230 حاجًا، وشكّلت نسبة الحجاج الوافدين من داخل المملكة 10.0 بالمئة بواقع 166,654 حاجًا، ونسبة الحجاج الوافدين من خارجها 90.0 بالمئة بنحو 1,506,576 حاجًا.
إن نجاح موسم الحج لعام 1446 هـ كان بفضل الله، ثم بفضل الخطط التنظيمية والوقائية والأمنية والخدمية المتكاملة، والجهود الجبارة في الميدان، وتطبيق تلك الخطط إلى إجراءات وأعمال على الواقع أبهرت وأعجبت وأفرحت كل محب، وردعت كل فوضوي، وأخرست كل لسان معادٍ، وألجمت أفواهًا نطقت وأقلامًا سطرت، وعقولًا سخّرت وقتها للنيل والكيد من المملكة العربية السعودية وفق حملات مغرضة، ونال كل مخالف عقابه المستحق.
كان النجاح السعودي في الحج قد سبقه موسم عمرة ناجح لهذا العام الهجري 1446 هـ، حيث بلغ عدد المعتمرين 16,558,241 معتمرًا، بالإضافة إلى 75,573,928 مصلٍ في المسجد الحرام، و30,154,543 مصلٍ في المسجد النبوي، ليصل الإجمالي إلى 122,286,712 قاصدًا للحرمين الشريفين في شهر رمضان الماضي.
التميز التنظيمي السعودي ليس فقط داخل المملكة العربية السعودية، بل امتد لجميع دول العالم. مبادرة (طريق مكة) هي إحدى مبادرات وزارة الداخلية السعودية التي تحولت إلى أحد أهم برامج خدمة ضيوف الرحمن، وأحد برامج رؤية السعودية 2030 التي أُطلقت في عام 2017م.
وتهدف مبادرة (طريق مكة) إلى تقديم خدمات ذات جودة عالية للحجاج المستفيدين من المبادرة من خلال إنهاء إجراءاتهم من بلدانهم، بدءًا من إصدار التأشيرة إلكترونيًا، وأخذ الخصائص الحيوية، ومرورًا بإنهاء إجراءات الجوازات في مطار بلد المغادرة بعد التحقق من توافر الاشتراطات الصحية، إضافة إلى ترميز وفرز الأمتعة وفق ترتيبات النقل والسكن في المملكة، وعند وصولهم ينتقلون مباشرة إلى حافلات لإيصالهم إلى مقار إقامتهم في مكة المكرمة والمدينة المنورة بمسارات مخصصة، في حين تتولى الجهات الخدمية إيصال أمتعتهم إلى مساكنهم.
توفر مبادرة "طريق مكة" للحجاج أعلى مستوى من الخدمة والراحة في رحلتهم، من خلال تمكينهم من استكمال إجراءات دخولهم إلى المملكة العربية السعودية من مطارات بلدانهم، ونقلهم مباشرة إلى أماكن إقامتهم في مكة المكرمة والمدينة المنورة. في 18 أيار (مايو) 2025م، أعلنت وزارة الداخلية السعودية تجاوز عدد مستفيدي مبادرة "طريق مكة" (مليون) حاج منذ إطلاقها.
العقول البشرية والتقنية الحديثة تعاضدت في إنجاح حج هذا العام والأعوام الماضية، حيث استُخدم الذكاء الصناعي والإحصاءات الدقيقة ومراكز العمليات والدرون التي سُخّرت في أعمال الرقابة والتنظيم، وصولًا إلى الخدمات الصحية وأعمال الدفاع المدني ومكافحة الحريق. هذا من جانب، والجانب الآخر شمل توسعة الحرمين الشريفين والاعتناء بالمشاعر المقدسة وتشغيل قطار الحرمين الشريفين وقطار المشاعر المقدسة الذي جاء الهدف منه التخفيف من الازدحام المروري وسهولة التنقل وسلامة البيئة. ويتكون المشروع من 17 قطارًا وتضم 204 عربات، وتستوعب كل عربة منهم 300 راكب، وهناك عربتان أمامية وخلفية للقيادة.
ويبلغ طول المسار نحو 18.1 كم، ويرتفع بنحو 8-10 أمتار عن سطح الأرض، ويصل إلى 45 مترًا عند منشأة الجمرات، وتبلغ طاقته الاستيعابية 72,000 شخص في الساعة الواحدة.
ويحتوي المشروع على تسع محطات، بطول 300 متر لكل محطة، تبدأ من مكة المكرمة، ويمر القطار بثلاث محطات في مشعر عرفات، وثلاثة في مشعر مزدلفة، ثم محطة في بداية مشعر منى، وأخرى وسطه، وتكون المحطة الأخيرة عند الدور الرابع بجسر الجمرات.
وتولي المملكة العربية السعودية اهتمامًا بالغًا بخدمة الحجاج، حيث تسعى جاهدة لتوفير تجربة آمنة ومريحة ومناسبة لأداء المناسك.
وتشمل هذه الجهود تطوير البنية التحتية للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، وتوفير خدمات صحية متكاملة، وتوفير الأمن والحماية، وتوفير الخدمات اللوجستية مثل النقل والإقامة والإعاشة، بالإضافة إلى تقديم الخدمات الروحية والدينية.
ومن المتعارف عليه حسب التوجيهات الكريمة أن الاستعداد لموسم الحج القادم يبتدئ بنهاية موسم الحج، وعلى كافة الأصعدة والأجهزة العاملة، ولا جزاء للإحسان إلا الإحسان.