السودان بلد عربي يقع على مساحة هائلة تُقدّر بـ 1,861,484 كيلومتراً مربعاً، ويبلغ عدد سكانه نحو 50 مليون نسمة، ويمتلك مقومات اقتصادية هائلة، حيث يملك ثروات متنوعة من الموارد الطبيعية والموارد القابلة للتنمية والاستغلال، ومن أهمها الثروة البشرية، حيث يشكل التعداد السكاني وقدراتهم العلمية والعملية عوامل هامة قادرة على الإنتاج والبناء.
ويتميز السودان بوفرة ثرواته المتعددة كالمعدنية بما فيها الذهب والنفط وغيرها، والزراعية والمائية من أراضٍ خصبة وأنهار جارية ومراعٍ واسعة ذات غطاء مستدام ومنتجات عالية الجودة، وغابات ونباتات طبيعية منتجة، والثروة الحيوانية والسمكية حيث تُقدّر بـ 130 مليون رأس وإنتاج سمكي كبير.
ووجود مثل هذه الثروات يضع السودان في مصاف الدول التي تملك ثروات تجعلها تحقق الاكتفاء الذاتي، وتزيد بحيث تكون سلة ثروات وغذاء مُصدّرة لكافة أنحاء العالم، يساعد على ذلك موقع السودان المتوسط بين الشرق والغرب، والقدرة على التواصل مع العالم بحرياً ومع العديد من دول القارة الأفريقية برياً، بحيث يكون محوراً هاماً لطرق الملاحة البحرية وللطرق البرية في حال إيجاد مشاريع ربط مع الدول المجاورة.
ولكن، وبكل أسف، أصبح السودان وشعبه وأرضه رهينة لحرب داخلية مدمرة أحرقت الأخضر واليابس، وقضت على آمال وطموحات الشعب السوداني.
والحقيقة أنَّ السودان ليس حديث عهد بالصراعات الداخلية، لكنها كانت محدودة الزمن والمساحة إذا تم استثناء الحرب في جنوب السودان وانفصاله.
وجاء الصراع الحالي بين الجيش السوداني بقيادة البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، كأكبر وأخطر صراع على السلطة في الخرطوم، مما جعل مستقبل السودان مجهولاً جداً وغير معلوم الاتجاه والعواقب، ولكن يبقى الأمل في حل سريع لإيقاف الحرب، التي أصبح وقفها من الضرورات بما كان.
والحرب الأهلية السودانية لا تخدم السودان ولا شعبه، حيث أفرزت هذه الحرب أزمات ومآسي مفجعة للشعب السوداني، من مجازر وقتل وتشريد وتهجير ومصابين ومعاقين وثكالى وأيتام، وتردٍ في الظروف المعيشية والأمنية، نتج عنها مجاعات وفاقة وفقر وحالات نهب وسلب، وتوقفت الحياة في أجزاء كبيرة من السودان كمناطق تماس الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وتعرضت العديد من المناطق والمدن والقرى للتخريب والتدمير، وحرق المنازل، وارتكاب مجازر وإبادة فيما بين الشعب الواحد.
توقفت عجلة الحياة والتعليم والإنتاج، وازداد وضع الاقتصاد سوءاً. فهل يحتاج السودان لمزيد من التدمير والخراب وتبديد الثروات في نزاع عبثي عدمي لن يجني منه السودان إلا مزيداً من النكبات والنكسات والمصائب والضياع والمستقبل المجهول، مما يسمح للتدخل الخارجي في العلن أو بالسر، استثماراً لحالة التشرذم السوداني؟
كل هذه الاستنتاجات تؤكد أنه أصبح من الضروري إيقاف الحرب عند هذا الحد، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والشعب السوداني شعب عاقل ومتسامح، ومن الواجب استماع الفرقاء السودانيين لأصوات العقل والسلام، وإيقاف إطلاق النار الفوري، والدخول في هدنة منضبطة طويلة الأمد، وتغليب جانب الحوار والتصالح، وتقديم النظرة السامية لوضع مصلحة السودان أولاً وفوق كل مصلحة أو اعتبار، وتقديم التنازلات، وعكس أخلاق الشعب السوداني الرفيعة، وأنجح طريقة لوقف التدهور السياسي والاقتصادي والأمني في السودان، هي تفعيل وسائل إيقاف الحرب السودانية سياسياً ودبلوماسياً، لصعوبة الحسم العسكري للفرقاء.
وليس فقط الهدف وقف الحرب، بل الانتقال لمراحل سياسية واقتصادية وأمنية ومعيشية أفضل، والاتفاق على آلية حكم رشيدة للسودان تساعده بالنهوض المطلوب وفق رؤية مستقبلية مخطط لها، يكون هدفها الأول نهضة وتنمية السودان وشعبه، وقوامها الفرد السوداني الذي يُراهن عليه لما يملك من أخلاق وعلم وقدرات على العمل لبناء سودان جديد، مستغلاً ما حباه الله من ثروات لتحويلها إلى وسائل لنقل السودان إلى مصاف الدول ذات الإنتاجية، وتجيير هذه الثروات لطفرة على كافة الأصعدة الإنسانية والتجارية والصناعية، وجعل الحلم بسودان موحد وقوي وآمن وثري حقيقة على أرض الواقع.
إنَّ تجاوز الواقع السوداني المدمر والمخيب للآمال أصبح من الضروريات، وما زال بالإمكان التقدّم بخطوات صادقة على يد قادته وأبنائه لتجاوز هذا المنعطف الخطير في تاريخ السودان، في ظل توفر دعم عربي ودولي.
وعلى رأس الداعمين المملكة العربية السعودية، التي تتمنى للأخ العربي الشقيق والجار البحري السودان عودة استقراره ووحدته وأمنه، وعيش شعبه عيشة كريمة تليق به كشعب كريم عزيز، وما زال الأمل قائماً، فكم من مدمر نهض من الركام وعاد إلى الحياة ولو بعد حين.