: آخر تحديث

خالد الفيصل: مبدع ملأ المكان واستحق المكانة

3
4
4

في عام 1940، المليء بالأحداث التي ألهبت العالم سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، وهو العام الذي بدأت فيه المملكة تتنفس اقتصاديًا برئة النفط، بعد اكتشافه في عام 1938، وفي أجواء بداية الاستقرار في الدولة القوية، ولد للملك عبدالعزيز حفيد جديد: خالد بن فيصل بن عبدالعزيز. وبعد ولادته في مكة، انطلق مع والدته إلى الأحساء، ليعيش السنوات الخمس الأولى من حياته في كنف أخوال والدته، الأميرة هيا، السيدة الفاضلة، وهي من نسل الأمير عبدالله بن الإمام تركي بن عبدالله، الإمام المؤسس للدولة السعودية الثانية، وأخوال أمه من آل جلوي بن تركي بن عبدالله، وخاله حاكم الأحساء العادل الأمين سعود بن عبدالله بن جلوي.

فالأمير خالد الفيصل أحاط به الجد المفخرة الإمام تركي بن عبدالله من جهات عديدة، ولهذه المرجعية العائلية الراسخة أثرها الجيني والثقافي، الذي سطّر حروف قصة "خالد" الخالدة.

وبالرغم من أنه أحد أشهر أمراء الأسرة المالكة الكريمة من بيت الملك العريق، وعلى أن مجايليه ومعاصريه عرفوه في كرسي المسؤولية، وعلى صفحات دواوين الشعر، وما يصدح به المطربون الكبار، ومن لوحات رسمها بإبداع لا تكلف فيه، إلا أن كثيرًا منا لا يعرف خالد الفيصل وتاريخه الطويل والمتفرّد، الذي حظي بتقدير ملكي رفيع من خادم الحرمين الشريفين، بتقليده أعلى أوسمة الدولة: "وشاح الملك عبدالعزيز".

قليل من الناس تعطيهم الحياة الفرصة ليقدّموا ما لديهم، وقليل جدًا من يُسعفهم الوقت ليبرزوا في مجالات مختلفة. وهؤلاء ليسوا فقط مبدعين، بل استثنائيين، لأنهم تغلّبوا على الظروف، وطوّعوا الوقت، وأظهروا مكنونهم الإبداعي. والأهم: أن ما قدّموه كان مؤثرًا، ومميزًا، ومختلفًا. ومن هؤلاء القلة القليلة: الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود.

الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز

ففي المجال الثقافي، سبق خالد الفيصل عصره، وحارب كل نزعات التطرف والغلو، وركّز في خطابه على الوسطية، ورفض بكل حزم أن يُمسّ الاعتدال السعودي والشخصية السعودية، وقام بدوره في أزمنة صعبة كمواطن، ومثقف، ومسؤول أمين.

أما في مجال الشعر، فإن أميرنا هو من ألبس القصيدة غترة زاهية، وبشتًا فاخرًا، وعقالًا مذهّبًا، وموسقها، ليرتقي بالملحّن إلى عالم آخر من الإبداع، لتكون الأغنية السعودية راسخة الهوية، معنى ومبنى. كما أنه فتح للفنانين الذين تغنّوا بنتاجه الفريد دروبًا فسيحة، نقلوا خلالها مستمعيهم إلى مرحلة مختلفة من الذائقة الفنية، جعلت للشاعر السعودي حضورًا ثقافيًا بين العرب.
فشعر الأمير خالد الفيصل أبرز ملامح شخصيته المتميزة التي سبقت كل معاصريه، كما فعل الإسباني غارسيا لوركا في ارتباطه بالمكان والحنين والحب الصادق، وتقديم الهوية الثقافية.

وفي مجال الإبداع والرسم، فإن ريشة الأمير خالد الفيصل كانت تعبر عنه مثل قلمه، دون تكلّف أو مبالغة، بل يمزج ذلك بذكاء فريد واحترافية عالية بين المدرستين الواقعية والتأملية. فسموه يذكرنا بريشته الفذّة بإبداعات أندرو وايث في الواقعية الهادئة وبرسم الطبيعة، وكذلك جون سينغر سارجنت، فكلاهما يستخدمان الضوء واللون ببساطة فنية لخلق شعور فريد للمتأمل.

وهذا جزء من تشكّل هذه الشخصية الأصيلة، العاشقة للخيل، والمبحرة في وصف جمالها شعرًا ونثرًا ورسمًا. وأرى أن الخيل تُشبه سموه في شموخ الإمارة وقوة الحضور، وأراه يُوظّفها في التعبير عن شخصية الفارس، التي يراها – حسب قراءتي الشخصية – الأزهى في تعبيرها عن الرجل.

والحقيقة أن هذه السيرة الاستثنائية لا تنتهي دروبها، ولا تتوقّف مجالاتها، فكلها تؤول إليه أياً كانت؛ سواء تحدّثت عن خالد الأمير، أو الإنسان، أو أمير المنطقة، أو الوزير، أو المستشار، أو رجل الخير والإحسان التنموي من خلال مؤسسة الملك فيصل الخيرية، واقتراحه لجائزتها الأعظم قدرًا وقيمة بعد جائزة نوبل.

وعن شغفه بالتميّز، الذي جعله يتعاقد مع مصمّم ياباني عالمي لبناء مبنى الخيرية، ليكون أيقونة معمارية تزين "عليا الرياض" في بداية الثمانينات، ومن ثم إنشاء برج الفيصلية الأيقوني في بداية الألفية.

ولا أنسى اهتمامه بالإنسان، والمتمثل في تبنّيه – عبر مؤسسة الملك فيصل التي كان مديرها العام لعقود – إنشاء "مدارس الملك فيصل الرائدة والمتميزة"، وجامعة الفيصل، التي أحيت بيت ثالث ملوكنا الكرام فيصل بن عبدالعزيز.

ختامًا،
سيدي خالد الفيصل، ندعو الله بأن يمدّك بالصحة وطول العمر، وأن ترى البلد الذي تحبّه يعلو بقادته، وشعبه الكريم، وبالمبدعين والمبدعات السعوديين.
والشكر كل الشكر للأمير المثقف الخلوق سعود بن مشعل بن عبدالعزيز، نائب أمير منطقة مكة المكرمة، على عنايته وتوجيهه بالحدث الأهم، الذي يُعد باقة وفاء ومحبة واستمرارية لعطاء الأمير الذي يُكرم كل يوم في قلوبنا: "ليلة دايم السيف" و"معرض في محبة خالد الفيصل".
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.