: آخر تحديث

اصطياد الأوهام في الماء العكر!

26
38
30

صار الأخوة العرب المقيمون والمغتربون، وحتى اللاجؤون منهم، سواء في الولايات المتحدة الأميركية أو في أوربا وغيرها، يتساءلون عمّا يجري على الساحة العربية اليوم من حقيقة الأحداث التي تتصاعد وبصورةٍ مرعبة، وباتت تؤلب الرأي العام الذي يعيش في دوّامة من الفساد التي أحالت واقعه المعاش إلى سوداوية بغيضة لم يفق منها بعد! 

ومن يقرأ واقع هذه الأحداث والتساؤلات، يدرك تماماً مدى أحقيتهم في طرح أمثال هذه التساؤلات التي أصبحت بمثابة أحجية لم يدرك البعض منهم محاورها وما ترمي إليه، لا سيما أنَّ الواقع الراهن صار يُشكل سيلاً من الأسئلة، وما يعيبها هو بقاؤها مهمّشة بحاجة لإجابة ترضي الأطراف جميعاً بعيداً أي ترك أثر رجعي لها.

وإن مجمل التساؤلات التي يخزّنها العقل العربي، يلفّها الكثير من الغموض، مع أن ما هو واضح اليوم يظهر خط بياني لمصير مؤسي لغالبية الدول العربية، والمواطن فيها يُعد جزءاً لا يتجزأ منها.. وهذا كلّه ألّب رأس ومعطيات واجتهادات المواطن العربي المقيم على أرض الولايات المتحدة بصورة خاصة، وطرحه العديد من الأسئلة التي تبحث عن حلول شافية، بدلاً من العقم الذي أصابها في الصميم!

ومن جملة هذه التساؤلات ما يصبّ في محور الأخبار، والتحليلات وتكهّناتها، والاستطلاعات وتنوع المقالات، وإبداء الرأي حول ما يحدث على الساحة العربية، وما يمكن البحث عنه، وإلقاء الضوء عليه، وهو: ماذا بعد ظهور مجمل هذه الأحداث، والصور التي تتزاحم محطات التلفزة العربية، بأقنيتها  المتنوّعة المعروفة، وغيرها على تناولها، أضف إلى ما ينشر على صفحات الجرائد من مانشيتات مثيرة ومرعبة، بألوان شتى، وذات مغزى سوقي أريد من  خلاله توجيه القارئ العربي إلى صور بيانية لم يعد في الواقع تثير اهتمامه، لكثرة ما نشر عنها، وإن كانت بحاجة للكتابة عنها وتعريتها، وتوضيح ما يحدث للقارئ الكريم، أينما وكيفما وجد، وإن تجاوز كتّابنا وصحفيينا سلّم الكثير من الأولويات في الطرح، وتغييب جانب من المشاهدات، والحديث عن هذه  المعضلة التي حلّت بالأمة العربية عمّا سواها، إلا أنَّ تحليلات هؤلاء الكتّاب، برأيي، أخذت طابع الابتعاد كليةً عن قول الحقيقة، كما يجب أن تكون، غير متناسين في الوقت نفسه أنَّ هناك بعض الصحفيين ممن نحترم آرائهم، بل أنّهم، وهذه حقيقة، يضعون النقاط فوق الحروف وبتجرد بعيداً عن إرضاء عَمر أو زيد من الناس.

ولا يمكن أن ننكر في هذا الاتجاه، ما يتناوله وبصدق وموضوعية، وجرأة صحفية زملاء صحفيو رأي، والإبقاء على عدد من أصحاب الرأي الذين لا نشك في قدراتهم، وإمكانياتهم، وصدق ما يكتبون، وتوقهم الإقلاع بهذا الواقع المرير الذي يُعاني سيل من الأوجاع والأوهام والترّهات التي بحاجة إلى تقشيرها كي يَسهل هضمها، ناهيك بأوهام لا زالت تصطاد في الماء العكر، وهنا لبّ المعضلة!
ويذهب كتاب وصحفيو رأي آخرون، في قراءة ما يحدث اليوم، بالأمس، سواء في سوريا أو في العراق، إلى منحى آخر، وبحسب مزاجية الكاتب، وهذا ما يؤسف له!
وفي هذا لم يَعد يعرف القارئ إلى أي صحيفة، أو عن أي محطة تلفزيونية يبحث ويشاهد ويتابع ما تبثّه من برامج، وما هي حقيقة كل هذه التحليلات لهؤلاء الكتاب والإعلاميين الذين يمطرونا يومياً بكم هائل من المقالات المدبّجة بطعم وبلا طعم؟!

والسؤال: ما هو السرّ وراء هذا التسابق نحو نشر هذا الحجم من المقالات؟

هل السبب مادي، وهو دفع أجر نشر المادة الصحفية!!.. وإلا ما معنى ازدياد هذا العدد من الكتّاب الذين قفز تعدادهم، بين ليلة وضحاها، بالمئات، ويدلون بآرائهم، أياً كانت بعيداً عن الواقع المعاش، أم أن الهدف هو إشهار الاسم، والإسهام في تحفيز المواطن وفرش الطريق أمامه حتى يقف على أرجله، بعيداً عن أي مكسب مادي، فأي شهرة صحفية يبحثون في ظل تزييف الحقائق وتضخيمها؟!
وفي المقابل، نلحظ أنَّ نشر المقالات الصحفية غير العادية، وبكثافة، وفي مختلف الصحف العربية التي تصدر يومياً، وبصورة خاصة تلك التي تصدر في بريطانية الحاضن لأكبر عدد من الصحف الخاصة، والتي صارت أشهر من نار على علم، أضف إلى الكتاب والصحفيين الذين باتوا يشمّرون عن سواعدهم، ويستعرضون رؤيتهم حسب أمزجتهم الشخصية، من حق هؤلاء الكتاب الإدلاء بدلوهم، وتناول ما يحلو لهم من موضوعات، على أن تكون صادقة وموضوعية وتلامس حاجة المواطن متطلباته.

وما نريده من زملائنا الكتّاب وصحفيينا المخضرمين، أقلّها، مراعاة مشاعر قارئ العربية، وتوضيح ما يجري من أحداث، بموضوعية، بعيداً عن تضخيمها وتصويرها بصورة مرعبة، علاوة على دمج ما يحدث بصحة الممارسة الواقعية للمواطن الذي يشكو من آلام كثيرة، ويعاني في الوقت نفسه من عوز وفقر مدقع، وتشرد وضياع وبؤس وموت ودمار، لم يخلص منه أحد. قلة فقط ممن ساعدتهم ظروفهم وإمكانياتهم المادية على النزوح أو الهرب والاغتراب حتى تمكنوا من إعاشة أسرهم وإنقاذ أهليهم. ويظل صاحب القلم هو الأسمى في نقل الحقيقة التي نريدها أن تجسّد واقعاً حقيقياً ليعيشها المواطن كما هي لا كما يريدونها أن تكون. 

   


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في